آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

العمل الخيري من الرعوية إلى التنموية

عبد الغفور الدبيسي

الشكل البسيط لعمل الخير هو العطاء المادي وهو ما يتبادر الى الذهن عندما نتكلم عن مساعدة الفقراء والمحتاجين سواء كنا أفرادا ام مؤسسات. يأتي الفقير او صاحب الحاجة فتعطيه ما يسد حاجته أو بعض ما يسدها وتشعر أنك اديت ما عليك. ربما يقبل هذا من الافراد ولكن لم يعد ذلك مقبولا من المؤسسات الخيرية. لقد ادت جمعيتنا ومعظم الجمعيات الخيرية الاخرى هذا الدور الرعوي «من الرعاية» لعقود طويلة وكان دور التنمية ضامرا ان لم يكن غائبا في أغلب الاوقات. وحتى لا نبخس أنفسنا حقها لا بد من الاشارة الى محاولات سابقة نذكرها بكل اعتزاز. أولها محلات الخياطة التي ابتدأها مؤسسو الجمعية في نهاية القرن الهجري الفائت وثانيها محاولة تفعيل لجنة للتأهيل والتدريب نشطت بقوة قبل ما يقرب من 10 سنوات» واستطاعت مساعدة عدد كبير من الباحثين عن الوظيفة او التدريب.

تساعد الجمعية اليوم بعض العائلات التي ما برحت تستفيد من المساعدات لثلاثة أجيال متعاقبة «الجد - الابن - الحفيد». وقد يسأل بعضهم - محقا - لماذا لم يتغير حال هذه الاسرة على مدى الاجيال فتنتقل من الحاجة الى الكفاية؟ لماذا لم يخرج الاولاد أو الاحفاد من شرك الحاجة وذل السؤال؟ هل يكفي ان تواصل الجمعية صرف المساعدات الرعوية وكأنها تساعد في استمرار الفقر والحاجة أم هناك ما يجب ان نعمل بطريقة مختلفة؟

تبرز التوجهات الحديثة في العمل الخيري ضرورة ان تقوم الجمعيات الخيرية بدور تنموي بالإضافة الى دورها الرعوي الذي لا غنى عنه ولكن ان نؤدي دور الرعاية دون تنمية لهذه الاسر لمحاولة اخراجها من حالة الفقر الى الاعتماد على الذات - ان فعلنا ذلك فهو وضع غير قابل للاستدامة.

ومن هنا بدا التركيز واضحا - في الاتجاهات الحديثة من خلال رؤية المملكة 2030 او من خلال توجيهات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وكذلك الوزارات والمؤسسات الحكومية الاخرى - على ضرورة تفعيل برامج تنموية تساعد الاسر المحتاجة على تلمس دور لها للخروج من الفقر وتساعد من هو فوق خط الفقر على البقاء فوق هذا الخط وعدم الانزلاق دونه. دعنا نضرب هنا مثالين بارزين: أولهما اشتراطات وزارة الاسكان على المستفيدين من برنامج الاسكان التنموي الانخراط في برامج تنموية وثانيهما برامج الاقراض في بنك التنمية للمواطنين وللجمعيات الخيرية في القيام بمشاريع خاصة وأعمال حرة.

الدور الرعوي دور سهل ومباشر ونتيجته انية وسريعة. تسعى للحصول على الاموال من المتبرعين ثم توزعها على المحتاجين. الدور التنموي في المقابل شاق وطويل ونتائجه بطيئة على المدى البعيد. بداية تحتاج الى دراسة حالة كل اسرة على حدة لتتعرف على مواضع الضعف والقوة فيها ومدى استعداد افرادها للتنمية «هذه تحتاج جهود فريق من الباحثين الاجتماعيين والنفسيين» ومن ثم تصميم برامج توعوية او تدريبة او مالية للبدء في خطة لإخراج هذه الاسر من الفقر «هذا يحتاج لفريق من المدربين والمستشارين الماليين» ثم مراقبة نمو مشاريع هذه الاسر على مدى سنوات وتوفير الدعم النفسي والارشاد الفني. ولذا كان الهروب من التنموية الى الرعوية تماما كما يفعل الكثيرون الهروب من تربية ابنائهم وتنميتهم الى مجرد الانفاق عليهم وترفيههم.

دعوة الجمعية اخيرا الى تفعيل لجنة التدريب والتأهيل هي خطوة في تفعيل الدور التنموي المطلوب ندعو للقائمين عليها بكل التوفيق وفي طليعتهم عضو المجلس المهندس محمد النابود «ابو علي» كما ندعو جميع الطاقات الاجتماعية من الشباب والشابات والمختصين في مجالات الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الى رفد هذه التجربة ودعمها لتشكيل فريق فعال يمكن ان يقدم مثالا يحتذى بأذن الله.

*الامين العام للجمعية

* تم نشر المقال في مجلة العطاء التابعة لجمعية تاروت الخيرية عدد 8