آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

ماذا بعد لياقة القراءة

يوسف أحمد الحسن *

بعد الوصول إلى مستوى لياقة القراءة - والتي تعني القدرة على الاستمرار في القراءة مدة معقولة دون ملل أو تعب - لابد من وضع خارطة طريق محددة للقراءة نسير عليها من أجل ترميم جانب ضعيف في معارفنا أو في شخصياتنا، أو من أجل تعزيز تخصص نرغب في التركيز عليه في المرحلة القادمة من حياتنا. فمن غير السليم أن يبقى القارئ يتقافز من موضوع إلى آخر لفترة طويلة دون أن يركز على جانب محدد يأمل في الإبداع فيه أو التميز. أما عن التخصص الذي ينبغي على القارئ أن يختاره فهو يعتمد على عدة عوامل منها ما هو مرتبط بالقارئ نفسه مثل مستواه المعرفي وميولاته ونظرته للحياة واستعداده الذاتي والأهداف التي يرنو إليها، ومنها ما يعود إلى بيئته المحيطة ومجتمعه ومقتضيات العصر الذي يعيشه.

فبعد اجتياز مرحلة اللياقة «أو مواكبا لها كل حسب قدرته» يتوجب على القارئ أن يتوجه إلى أمهات الكتب في الجوانب الرئيسية من معارف الحياة والتي منها «الدين واللغة والتاريخ والعلوم والفنون». ونقصد بأمهات الكتب هي تلك التي ذاع صيتها واشتهرت كمراجع في مجالاتها لعدة أجيال حتى لو لم يحصل إجماع حول ما تتضمنه من أفكار أو معلومات. وما لم يقم القارئ بذلك في سن مبكرة فإنه سوف تبقى لديه نقطة ضعف حقيقية في معارفه لا يمكن أن يسدها بمكملات معرفية هي أشبه ما تكون بالمكملات الغذائية بالنسبة لجسم الإنسان حيث لا تغني عن الغذاء الحقيقي بل تكمله لا أكثر.

إن هذه الكتب تبني القواعد الراسخة للمعرفة بغض النظر عن التوجه الذي يقصده القارئ في حياته مستقبلا، فالعلوم متداخلة بشكل أو بآخر فمن يتخصص في الطب سوف يحتاج للأدب في حياته العملية، ومن ينحو باتجاه التاريخ لا بد له من معرفة بالفنون والعلوم وهكذا. وكلما بادر المرء إلى قراءة هذه النوعية من الكتب في سن مبكرة، كلما استطاع أن يستفيد منها بشكل أكبر في حياته المستقبلية، وأن يبني أساسا راسخا لخلفيته الثقافية سيبقى معه طيلة حياته، حيث تمثل الحبل السري بينه وبين المنابع الثرية للفكر البشري، فكما قيل «عقلك هو مكتبتك التي قرأت»، ولا يكفي أن يقرأ معلومة تاريخية هنا وقصة هناك أو بيت شعر هنا وقصيدة هناك.

ولسنا هنا بحاجة إلى تكرار القول بأنه يمكن في حال حصول حالة من الملل أو عدم الصبر على قراءة بعض الكتب ذات مئات الصفحات يمكن للقارئ إما أن يتوقف عن القراءة لبرهة، أو يتجاوز بعض أجزاء الكتب التي لا يشعر برغبة فيها، أو أن يؤجل قراءة كتاب ما لوقت لاحق أو حتى يلغيه من القائمة نهائيا.

وكما أن الرياضي سوف يفقد لياقته البدنية إن تركها، فإن القارئ قد يقع في هذا المطب إن لم يستمر في القراءة حتى ولو كانت لدقائق معدودة كل يوم أو كلما سنحت الفرصة.