آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:17 م

هَدِيَّة حَبِيْبْ إِلَى الْحُسَيْن

الدكتور أحمد فتح الله *

هَدِيَّة حَبِيْبْ إِلَى الْحُسَيْن[*] 

مَاذَا أُهْدِيْكْ؟
مَاذَا أُهْدِيْكَ وَمَنْ يُهْدِيْكَ هَوَ الْـمُهْدَى؟
مَاذَا يَرْقَى لِمَقَامِكَ وَالْحَالِ الْآنِي؟
عِنْدِي وَرْدِي...
عِنْدِي فَرَسِي...
عِنْدِي سَيْفِي...
عِنْدِي مَالِي...
مَعَ نِتْفَةِ قَلْبٍ فِي صَدْرِي
وَبَقِيِّةِ عُمْرٍ يُوشِكُ أَنْ يَقْضَي
فِي كَفّي رُوحٌ تَحْوِيْنِي كُلِّي
يَا عِزِّي دُونَكَ مَا تَبْغِي...
فَأنَا مُحْتَارٌ فَاعْذُرْنِي
* * **

مَاذَا أُهْدِيْكْ؟
وَرْدِي؟
وَرْدِي قَدْ لَا يَسْتَهْوِيْكَ
وَعِنْدَكَ أَحْلَى أَنْوَاعُ الْوَرْدِ
أَدْرِي تَهْوَى الوَرْدَ
وَتَعَلَّمْنَا مِنْكَ
الْوَرْدَ يُحَطِّمُ قَيْدَ الرِّقِّ
وَيَكْسِرُ كُلَّ الْأَغَلَاْلِ
فَمُقَابِلَ وَرْدَةَ شُكْرٍ
صَارَ الْوَرْدُ بِجُودِكَ نُبْلًا
أَنْسَلَ عِتْقًا
مَلْفُوفًا فِي عِطْرِ
فَكَرِيْمٌ شِيْمَتُكُ الْإِحْسَانُ
وَأَنْتَ الْحُرُّ خُلِقْتَ أَبًا لِلْأحْرَارِ
لَكِنْ يَا مَالِكَ رِقِّي بِخِيَارِي
أَنَا لَا أَرْغَبُ فِي عِتْقِي
دَعْنِي فِي عِشْقِي
آخِرَ سَاعَاتِ الْعُمْرِ
* * **

مَاذَا أُهْدِيْكْ؟
فَرَسِي؟
هَلْ تَقْبَلُهُ مِنِّي؟
لَمْ تَقْبَلْ عَرْضَ الْجُعْفِي...
إذْ قُلْتَ لَهُ: "لَا حَاجَةَ لِي فِي فَرَسٍ
إِنْ كَاْنَ بِلَا رَجُلٍ
خَيْلِي تَكْفِي"
ظَنِّي لَا تَحْتَاجُ الأَفْرَاسَا
بَلْ تَحْتَاجُ رِجَالاً أَبْطَالا
فَالخَيْلُ بِلَا فُرْسَانٍ لَا تُجْدِي
* * **

مَاذَا أُهْدِيْكْ؟
سَيْفِيْ؟
لَا جَدْوَى فِي سَيْفٍ
لَا يَحْمِلُهُ بَطَلٌ مِغْوَارُ
هَلْ عِنْدَكَ سَيْفُ عَلِي؟
أَتَرَى سَيْفًا أَمْضَى مِنْ ذِي الْفَقَرَاتِ الْبَتَّارِي؟
* * **

مَاذَا أُهْدِيْكْ؟
مَالِي؟
هَلْ تَقْبَلُ مَالاً مِنْ عِنْدِي؟
رَبَّي قَدْ أَعْطَاكَ الْخَيْرَ الضَّافِي.
مَا كَانَ الْمَــالُ الْفَانِي يَومًا يُغْرِيكَ
وَمَالِي فِي يَومِي هَذَا قَدْ لَا يُغْنِي
* * **

مَاذَا أُهْدِيْكْ؟
قَلْبِي؟
قَلْبِي لَا أُحْصِيهِ مُلْكِي
لَمْ أَحْسَبْهُ يَومًا جُزْءً مِنَّي
مِنْ عَهْدِ أَبِيْكَ
وَمَا أَبْقَاهُ لِي
قَدْ صَارَ قَلِيلًا فِي حَقِّكَ
يَا شَيْخَ الْآلِي
* * **

مَاذَا أُهْدِيْكْ؟
عُمْرِي؟
عُمْرِي قَدْ وَلَّى
يُوشِكُ أَنْ يُطْوَى.
الْبَاقِي مِنْهُ لَاْ يَكْفِيْكَ لِكَي تَهْنَا
لَنْ تَلْبَثَ فِيهِ سِوَى سَاعَاتْ
آهٍ لَو كُنْتُ مُسَاوٍ نُوحًا فِي الْعُمْرِ
* * **

مَاذَا أُهْدِيْكْ؟
مَا ظَلَّ مَعِي إلَّا رُوحِي...
مَا أَغْلَى رُوحُ الْإِنْسَانِ
لَكِنْ عِنْدَي أنْتَ الْأَغْلَى
أُهْدِيْكَ الرُّوحَ وَمَا أَسْمَى
أَفْدِيْكَ بِرُوحي كَيْ تَبْقَى
خُذْهَا حَتَّى تَحْيَا...  
وَأَنَا أَمْضِي...
أقْضِي نَحْبِي ...
نَحْبِي أَقْضِي...
وَلِأجْلِكَ لَا أَسْتَنْظِرَهُ يَأْتِي...
مَوتِي قَتْلًا ...
ذَبْحًا...
طَعْنًا ...
خَنْقًا ...
حَرْقًا ...
لَا يَعْنِيْنِي
أُفْنَى...أُحْيَا...
أُفْنَى...أُحْيَا...
عِدَّةَ مَرَّاتٍ ...
لَا يُثْنِيْنِي
الْــمَوتُ لِأَجْلِكَ خُلْدٌ...
الْــمَوتُ فِدَاكَ حَيَاةٌ لِي...
وَلِمَنْ يَفْدِيْكَ اليَومَ...
وَفِي الزَّمنِ الآتي
فعَسَى حَتْفِي يُنْجِيْكَ فَلَا تُؤُذَى
تَحْيَا بَعْدِي...
وَتَكُونَ إِلَى النَّاسِ سَنَا...
وَإِلِى الْأَحْرَارِ زَعِيْمَا...
أَمَدَ الْدَّهْرِ
إلَى يَومِ الْحَشْرِ
وَهُنَاكَ أَرَى رُوحِي
فَهِدِيَّةُ عِشْقِي أَلْقَاهَا فِي الْعَرْضِ
مَا أَبْهَى رُوحِي عِنْدَكَ يَا حِبِّي...
كَعَرُوسٍ فِيِ لَيْلَةِ زَفَّتِهَا
مَا أَسْعَدَهَا بَيْنَ يَدَيْكَ
فَطَابَتْ نَفْسِي لِسَعَادَتِهَا
تَمَنَيْتُ اللهَ المُعْطِي
أَعْطَانِي أَرْواحًا
لَا رُوحًا وِتْرَا...
أَو أَنَّ الرُّوحَ تُفَرِّخُ أَرْوَاحًا
أُهْدِيْهَا لَكَ وَاحِدَةً
بَعْدَ الأُخْرَى......

[*]  هذه نثرية افتراضية تحاكي لحظة وصول الشيخ السبعيني «75» حبيب بن مظاهر «الأسدي»، رضوان الله عليه، إلى مخيم الإمام الحسين لينضم إلى الثُلَّة السعيدة التي قال عنها المعصوم ”لم أر أصحابًا أفضل من أصحابي“، والفقيه الأسدي كان مطَّلِعًا على خفايا وإرهاصات الحدث الحسيني وتفاصيله لأنه كان من أصحاب الإمام علي .

ولا بد من ذكر أن ما عبر عنه شيخ الأنصار هو لسان حال كل أصحاب الحسين الذي وصفهم بما يستحقون وهو أعلم بهم.
تاروت - القطيف