آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

القراءة بين الشغف والاحتباس

يوسف أحمد الحسن *

عندما سألت أحدهم وقد تخرج من الجامعة وعمل لعشر سنوات عن آخر كتاب قرأه فأجابني بأنه لم يقرأ أي كتاب منذ أغلق آخر كتاب في آخر فصل دراسي في الجامعة، تأكدت حينها أن هناك احتباسا حقيقيا في القراءة في مجتمعنا. لكنني عندما طرحت نفس السؤال لآخر «وهو صديق» فقال لي إنه خلا عمله وواجباته المنزلية لا يقوم بأي شيء آخر سوى القراءة والكتابة، حينها أدركت بأن مجتمعنا حائر بين النموذجين، الأول وهو النسبة الأكبر والثاني والذي يعتبر عملة نادرة في سوق القراءة.

وعندما أمر على أول كلمة نزلت في القرآن «اقرأ» يجول في خاطري انعكاساتها علينا كمسلمين، وهل يعي أكثرنا أن لها دلالات مباشرة وغير مباشرة على ضرورة الاهتمام بالقراءة وجعلها أولوية في حياتنا لأنها العلم والمعرفة وهما أس الحياة.

وعندما نمر بنماذج مشرفة في القراءة عربيا وعالميا كالشاعر الأسباني لوركا الذي كان يقول: لو أنني كنت جائعا وكنت متسولاً في الشارع فلن أطلب رغيف خبز، وإنما سأطلب نصف رغيف وكتاب، حينها لا نفهم سوى أننا أمام حالة من الشغف عالية. لكن المشكلة هي أن هناك حالة متفردة من السعادة والنشوة تعتري القارئ أثناء وبعد القراءة تستعصي على التوصيف، كما أنه لا يمكن أن يفهمها أو يتفهمها من لا يقرأ.. فكيف تقنعه بذلك؟ وكيف لي أنا هنا ككاتب أن أقنعه بالقراءة عبر كتابتي إذا كان لا يقرأ ما أكتبه؟ كيف أقوم بإقناع الممتنع عن القراءة بها وبأنها تعرج بصاحبها إلى أعلى درجات التجلي في ميادين الفكر والمعرفة والثقافة إذا كان لا يقرأني.. وكيف له أن يفهم أنها كشرارة إبداع وكشلال من الجمال وينبوع لا ينضب من العطاء.. تفتح أكبر كوة في جدار الجهل وتشيد أعلى الأبراج التي تكشف آفاق الحياة.

هل نحن أمام حالة من وضع العربة أمام الحصان أو كمن يضع السلم على الجانب الآخر من السور الشاهق؟ هل ندور في حلقة مفرغة أم هي طاحونة الحمار التي تدور بلا نهاية؟

البرتو مانغويل «دون جوان المكتبات» الذي قال: إنني أتمتع كثيرًا بمنظر الرفوف المكدّسة بالكتب، وبرؤية الكتب التي أعرفها جميعها - ولمن لا يعرف دون جوان فهو شخصية أسطورية عرف عنها حبها للنساء حيث استطاع اغواء أكثر من 1000 امرأة دون صعوبة - مانغويل نفسه قال: حين كان أصدقائي يحلمون بمآثر بطولية في حقول الهندسة والقانون والمال والسياسة، كان حلمي أن أصبح «أمين مكتبة».

وحين نقارن هذا بالواقع العربي الذي يقول بأن العربي يقرأ في المتوسط ست دقائق فقط كل عام «حسب إحصائية قديمة لمؤسسة الفكر العربي» مقابل 200 ساعة في الدول الأوربية ندرك هنا السبب الحقيقي لتخلف هؤلاء وتقدم أولئك.