آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

أنت سند لي

عبد الله الناصر

تصور أن يقولها شخص لا يعرفك... أنت معتاد على أن تسمع الكلام الجميل، أو أن تكون سندا لأشخاص تعرفهم وتربيت معهم، لكن لشخص لا يعرفك! لشخص أهمله العالم وانتبهت لوجوده... أنت.

هنا تكمنُ روعة العطاء.

شيء في داخلي يأخذني بذاكرتي لصباح يوم صيفي حار، هاتفني فيه أحد الأصدقاء تعطلت سيارته، يطلب مني بكلمات من الخجل إيصال بعض المساعدات لعائلة تسكن خارج نطاق قريتي بدلا عنه.

لا أملك تفسيرا لسعادتي حينها، فلا أجمل من نداء الخير للناس، استلمت بضعة أكياس تحوي مواد غذائية واتجهت لعنوان تلك العائلة.

وصلت لبيت قديم متهالك، طرقت بابه المفتوح، فجاءني صوت ضعيف يطلب مني الدخول، مررت على غرف خالية من الأثاث موحشة بلا حياة، وبوسط المنزل هناك رجل عجوز يجلس متكئا على سريره وبجانبه مجموعة من الكتب ويشاهد الأخبار في التلفاز.

ذا جفنين منغلقين من الكبر وبملامح تعلم من آثارها أن الحياة كانت قاسية في حربها معه، كان الهدوء يعتم بالمكان ما عدا صوت جهاز التكييف المجهد، وضعت الأكياس بالقرب من النافذة واتجهت نحوه مصافحا ومقبلا رأسه.

رحب بي وكأنه يعرفني مسبقا، كابن رجع بعد غياب، اجتاحتني رهبة غريبة وأنا أستمع له. قال لي: «جئت من منزلك في هذه الظهيرة اجلس واسترح». احترمت رغبته وجالسته بضع دقائق.

تكلم معي بمواضيع متعددة، أدهشتني ثقافته وعلمه كأنه قاموس مصغر من الفكر والتاريخ والأدب، يملك عقلا كبيرا بخلاف جسمه الصغير.

وجدت نفسي اقترب منه وتزداد سعادتي كلما تحدث.

سألته عن احتياجاته هو وعائلته، شاهدت دمعة دافئة في جفنه كالجمرة نزلت على صدره، قال لي الحمد لله الذي رزقني زوجة صالحة توفيت منذ سنة ولم نرزق منها بالأولاد ولكن أنعم الله علي بالكثير حد إني أستحي منه لست أحتاج في يومي إلا أناسا طيبة المعشر مثلك «أنت سند لي يا بني».

وقعت كلماته كالهزة على قلبي حاولت أن أحتفظ بقدر من الثبات أمامه، ورسمت على وجهي ابتسامة فخر وامتنان، أخرج من ثلاجته سلة برتقال وسألني عن عدد أبنائي وأعطاني بعددهم برتقال.

ودعته وداعا يليق بكرمه ومقامه، وطلب مني أن أترك الباب مفتوحا تحسبا لأي نوبة قلبية تأتيه دون سابق إنذار فيسعفه الجيران، تمنيت له عمرا طويلا، خرجت من منزله إنسانا مختلفا عما دخلت.

وبصمت وشرود عجيب عدت إلى منزلي أتذكر مرارا جملته «أنت سند لي»، لم يسألني عن هويتي ولا عن سبب مجيئي، رحب بي كابن، وأكرمني كضيف، عاملني بأجمل صور الإنسانية، نمت يومها سعيد جداً.

وكم أوجعني بعد أشهر خبر وفاته ذرفت عيني الدموع لرحيله، يستحق هذه الدمعة بامتياز، أشعر بالعرفان الكبير له، وأحمدُ الله لتوفيقي بإسعاده ومشاركته جزءا من حياته، ربما كان رجلا عبر بحياتي فجأة لكنه غير الكثير من معتقداتي

مازلت أقتات ببضع قوته وإيمانه ورائحة السعادة والرضا التي كانت تفوح من كلماته.

ومنذ ذلك اليوم وأنا أبحث عن تلك السعادة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بعطائنا لمن حولنا، كما أن قاموس الجزاء بالعطاء مذهل فالسعادة يتقاسمها كل أطراف الخير حتى الدال عليه.

يظن البعض أن العطاء هو وقت الضرورة أو الضعف فيتصدقون فقط حين يشعرون بأن الظروف قاسية. لكن العطاء هو سبيل الأقوياء الذين يبحثون عن المعنى الحقيقي للسعادة. وأن لا يمنعك شيء من أن تساعد غيرك، وأن لحياتك قيمة أكبر من أن تعيش حول نفسك.

السعادة هي أن تعطي دون أن تنتظر مقابل، والعجيب، أنك رغم تفكيرك النقي ستحصل على الكثير من الرحمات والهدايا الإلهية تبتسم لك وقت ضعفك لأنك ابتسمت لمحتاج أو مسكين في عز قوتك.

أفخر كوني فردا من قرية الأوجام التي تملك مؤسسات اجتماعية تطوعية تسعى للاهتمام بكافة الجوانب الإنسانية وبالخصوص «جمعية الأوجام الاجتماعية» شكراً لهم كونهم عائلة ربطتها الإنسانية، وهي أول خصلة تعلم الإنسان، أن يعمل الخير لغيره. شكراً لكم، لأنكم هنا دائماً.. تعملون بجدٍ.. لتكونوا وسيلة بين معط ومحتاج، بين مهد ومهدى إليه.

الأموال التي تدفع في كل مكان ننساها ولا ننتبه لرسائل البنك في الهاتف، أما المال الذي نقدمه عن طريقكم، فهو إن نسيناه يتذكرنا، خالداً وباقٍ في دنيا فانية وزائلة. شكراً لأنكم الطريق إلى الغد، إلى اليوم الأفضل والعمر الأجمل بالعطاء.

العلاقة بينك وبين من تعطي، ليست مبنية على كلمات أو نزهات أو لقاءات. ما يربطك فيه أكبر وأعمق، كما تقع الأم الحامل في حب طفل لم تره بعد، توصل أنت حبك لشخص لا تعرفه ولن تعرفه. حُب في شكل فطرة، لأخيك المسلم.

عطاؤك سيكمل من خلاله طفل عامه الدراسي وقد يصبح دكتوراً أو معلماً. عطاؤك قد يعيد الحياة لشخص أفقده المرض أمله. عطاؤك لونه أخضر لا حد له، لا شيء يمنعه عن طريق الخير.

هل تود أن تمنح لنفسك فرصة بالعطاء؟

أبواب الله كثيرة، والجمعية الخيرية باب واحد منها، سيتشرفون بكَ وبوقفتك لإخوانك المحتاجين والمتعففين، تفاصيل الاشتراك أو التبرع موجودة في صفحاتهم الاجتماعية اختر ما يناسبك منها وابدأ برسم طريقك نحو السعادة الحقيقة التي تأتي خالصة صافية ليس معها خوف ولا قلق فقط سعادة طاهرة تغسل الأنانية التي بداخلنا.

شكراً لكل الأيادي البيضاء التي أسس عطائها الجمعيات الخيرية وإلى الأيدي الجديدة التي سترفع بعطائها اتساع الخير بمجتمعنا بوركت مساعيكم النيرة، وهنيئاً لكم فيوضات الخير الربانية «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره»

هكذا وعد الله

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
زكية آل ناصر
[ الأوجام ]: 10 / 8 / 2020م - 3:07 م
مقال أنيق يلامس مكامن الإحساس الإنساني في النفس البشرية ، أجاد الدخول إلى قلب وعقل القارئ ليحرك مشاعر حب الخير فيه .
بورك هذا الجمال
2
محمد عبدالمحسن
[ الدمام ]: 10 / 8 / 2020م - 9:52 م
الحمد لله.. والشكر والثناء ...
المجتمع المتكافل هو مجتمع تسوده السعادة وإن
عاني بعض الأفراد من الصعوبات الحياتية المعهودة.
ولعلها دعوة من الكاتب الكريم لاهل الخير المقتدرين لزيادة العطاء من خلال الجمعيات الخيرية، بل البحث عن المتعففين في المجتمع..!!..