بين الكتاب والتلفاز
ربما يكون جيري ماندر قد سبق زمانه عندما اقترح «عام 1977 وقبل وصول الفضائيات» إلغاء التلفزيون من حياتنا ورميه في الزبالة فورا. فالكاتب الذي ألف كتاب «أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون» وجد في هذا الجهاز سحرا غريبا وخطيرا على الإنسان الصغير والكبير يؤثر على مختلف جوانبه الجسمية والنفسية والسلوكية والاجتماعية ويأسره ويجعله مسلوب الإرادة ربما بإرادته.
ويضيف «ماندر»: ربما لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد الهندسة الوراثية والقنابل النيترونية ولكننا نستطيع أن نقول لا للتلفزيون ونستطيع أن نلقي بأجهزتنا في مقلب الزبالة حيث يجب أن تكون. ولا يستطيع خبراء التلفزيون تغيير ما يمكن أن يخلفه الجهاز من تأثيرات على مشاهديه، هذه التأثيرات الواقعة على الجسد والعقل لا تنفصل عن تجربة المشاهدة. إنني لا أتخيل إلا عالماً مليئاً بالفائدة عندما أتخيل عالماً بدون تلفزيون، إن ما نفقده سيعوض عنه أكثر بواسطة احتكاك بشري أكبر وبعث جديد للبحث والنشاط الذاتي.
المشكلة أن التلفزيون يشجع على حالة الكسل والدعة ليس بدنيا فحسب، بل حتى ذهنيا حيث إنه لا يدع لك مجالا لإعمال الفكر. يقول دانيال بناك في كتاب متعة القراءة: يعطي لك الفيلم كل شيء، لا شيء تحصل عليه بمجهودك، كل شيء يقدم لك على طبق: الصورة، الصوت، الديكور، الموسيقى المرافقة في حال لم نكن قد فهمنا قصد المخرج.. الباب الذي يصدر صريرا ليبين لك أنه جاءت اللحظة التي يجب أن تفزع فيها.. عندما نقرأ يجب أن نتخيل كل هذا.. القراءة فعل خلق دائم.
وعلاوة على ذلك فإنه ومن الناحية الكمية والنوعية لا مقارنة بين التلفاز والكتاب، فساعة قراءة من كتاب توازي ساعات بل أيام فائدة معرفية من تلفاز، بل إن عالم الاجتماع البريطاني اندرو روس يبالغ حين يقول: إن أصغر مكتبة تحتوي بداخلها على أفكار أكثر قيمة مما تم تقديمه طوال تاريخ التلفزيون! ورغم التطور الحاصل في بعض برامج التلفزيون وزيادة نسبة البرامج المفيدة فيها مثل البرامج الوثائقية، إلا أن هناك من الفوائد في قراءة الكتب ما لا يمكن تحصيله بسهولة من مشاهدة التلفاز مثل الحصيلة اللغوية والمفردات الأدبية وإمكانية التحكم في سرعة حركة المعلومة في التلفاز العادي «وليس الذكي».
بالطبع هناك إيجابيات كثيرة للتلفاز ليس أقلها الترفيه المتحصل منه وكثير من المعلومات ومتابعة أخبار وتطورات العالم، لكننا هنا نتحدث عن تأثيره السلبي على القراءة.
- الكتاب الجيد يحرر الإنسان الذي يقرأه أما التلفزيون يقيد الإنسان الذي يشاهده.. يعتقل جوارحه ويعتقل خياله ويقيد يديه ورجليه. الكاتب مصطفى محمود