معتوق ودعت الحياة باكرا..
يا ابن الثلاثين ربيعا.. ارتحلت وخلفت في قلوب الأحبة أحزانا.
وزدت مصاب العائلة آلاما، قبل سنتين رحل والدك صالح صفوان وصار البيت مسربلا بالسواد، وبالكاد يتعافون من مرارة الرحيل والبارحة عند منتصف الليل تخطفك يد المنون بسرعة البرق، وعصر هذا اليوم تجاور أبيك سكنا أبديا، بضعة من الأهل وارت جثمانك الثرى، والنائحات على قبرك يفطرن الكبد وبكاء أمك أسمع صمت القبور.
كانت تتأمل أن تزفك عريسا وتضيء شموع الفرح، لتنسى أحزانها، همة عجلى للبحث عن عروسة تناسبك، وأختك الممرضة ”منار“ تقول سوف أخطب لمعتوق ممرضة، كل في سعي لنشدان الفرح بعد أن استوطنت عملا جديدا تاركا أمكنة أعمال ماضية.
كان الجميع على أهبة الاستعداد لتقديم العون من المقربين، كل يريد أن يراك معطرا برائحة الورد متزينا بالبشت والعقال، لكن القلوب زفتك لجنان الخلد.
أنين أمك ثقيل على مسامع خالاتك وعماتك والمعزيات، هذيان موجع وغصة في الحلق ودموع تبلل الخدود لمعانا، أي معنى للحياة وأي حزن أعظم من فقدان الأم ظناها وفي عز الشباب، رحيل مر الذي يأتي في غمضة عين، تفقد الأم جزء من كينونتها، من حياتها وأنسها وتزداد الوحشة ظلمة والمشاعر ثكلى.
لقد شعرت أمك يا معتوق بلحظة وقوع الحادث الأليم ومفارقتك للحياة حالا، دقات قلبها انبأها قبل أن تسمع الخبر اليقين، لله در كل أم تفقد أحد أبنائها، صبرا صبرا يا أم محمد صفوان، صبرا وتسليما على قضاء الله وقدره، ولك في مصائب أهل البيت أسوة حسنة.
وابنك هو المحب لهم محبة على سجيته وبتعبد بيقين الأمهات والجدات، قبل ثلاث ليال سواعده تهرع مع أخيه وبحماس الشباب يتسلقنا الجدران وهما يمددنا إضاءات الزينة الملونة احتفاء بليلة الغدير برغم الطقس الحار ولكن حرارة المولاة كفطرة مكتسبة تفوق كل شيء، وسجادته مفرودة طوال الوقت، ولايريد من أحد أن يقلب صفحات المصحف الموضوع عليها، حتى لا تتوه منه آخر سورة أو آية وصل إليها.
يامعتوق كم أنت مفتون بالتربة الحسينية وما أن يغمق لونها من سجودك اليومي خاشعا لله تعالى، تسارع لاستبدالها بأخرى جديدة، وتقرأ ماتيسر لك من الأدعية الأنيسة مولي وجهك شطر مقامات الأمة، وشوقك لزيارتهم عظيم، سلوكك إيماني وسطي ولم يكن شكليا، إنما منعكسا على طاعة والدتك، ودائما قبل أن تغادر البيت تقول لها «ما أنت محتاجة شيء أماه»، وهي تقول عنك بوجع وأنين وطيفك ماثل أمامها وكأنك لم ترحل عنها ”هو الذي مالي علي البيت أكثر من أخوته، وينك يا معتوق يابو الهمة تعال اقضي لي هالحاجة وينك يالحنون..“ كم تهب في إحضار الاحتياجات اليومية وإصلاح أعطال البيت نظرا لطبيعة انشغال اخوتك، وتتميز عنهم بدينامكية عالية، بعيدا عن التسويف وعدم التأجيل في أي شيء لك حظوة سرعة الانجاز، ويقول عنك خالك حسين ”ولد أختي معتوق أبو شيمة غير طبيعية ما اتصل عليه وين ما يكون ايجي لي حالا، إنسان أبو فزعة“.
بوركت يا معتوق من ولد بار بوالدتك وأهل بيتك، وساعد الله قلب أمك على فقدك، كم كنت خائفا عليها حين تتوجع من آلام أرجلها وتصر أن تذهب للعلاج في أي مكان مهما كلف الثمن، كنت متوجسا بأن ترحل بغتة عنك كما فقدت أباك، لكن الأعمار بيد الله، أنت الذي ترحل عنها وتتركها تتوسد الحزن، والدعاء يلهج لها بطول العمر.
يا معتوق منا لك الدعاء بالرحمة يا أيها الابن المطيع والشاب المسالم.
اغمض عيني واسترجع مشهدا قبل 28 عاما حينما رأيتك أول مرة، وخالتك «زوجتي» تحملك وتداعبك مناغاة والابتسامة متبادلة كارضاعة مودة ودفء صدر رحيم، وهي تنوء من جسمك الوديع ثقلا وبخفة دم تبرق من عينيك الضحكات والابتسامات، وناولتني واخذتك واقفا وقلت ما شاء الله على أبو الخدود الوردية.
مرت ثلاث عقود والفرح اقترب من طرق بابك يا معتوق، وإذا بكفي يرتعش وكفوف الأحبة ترفع نعشك عصر هذا اليوم مهليين مكبرين، البقاء والدوام لله، لا إله إلا الله محمد رسول الله.
أيها الحزن ترفق بوالدتك المفجوعة حسرة على رحيلك المفاجئ من دون سابق إنذار، ويا حزن خفف الوطء على اخوتك وأخواتك وعماتك وأعمامك وخالاتك وأخوالك، وكل عائلتي صفوان وتلاقف وجميع الأهل والاقارب، عظم الله أجوركم وألهمكم الله الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كلنا راحلون طال بنا العمر أو قصر.
وداعا يا معتوق يا ابن شقيقة زوجتي، وداعا يا معتوق فقد انعتقت من الدنيا باكرا، وحشرك الله مع محمد وآل محمد الطيبين الأطهار.