آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 1:42 م

تضحية زوجة كاتب

يوسف أحمد الحسن *

لولا زوجتي لما كنت.. هذا ما قاله عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في حق زوجته. فعندما وصل إلى باريس ذلك الفتى الضرير ذات صباح في عام 1915 لم يكن هناك سوى شابة جميلة اسمها سوزان تتلقفه وتساعده.. تقرأ له وتكتب عنه بيدها ما يملي عليها.. وقد وقفت معه واستمرت في القراءة له حتى وفاته عام 1975، وعاشا معا تجربة حب جميلة وقال عنها بأنها «صديقتي كانت معلمتي» حيث قامت أيضا بتعليمه اللغتين اللاتينية واليونانية.

قال عنها ذات مرة: بدونك أشعر أني أعمى حقا. أما وأنا معك فإني أتوصل إلى الشعور بكل شيء وإني أمتزج بكل الأشياء التي تحيط بي. كما قال بأنها الملاك الذي بدله من البؤس نعيماً ومن اليأس أملا ومن الفقر غنى ومن الشقاء سعادة وصفواً. كما نقل عنه أنه قال أنه منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم.

وتزوجت الفتاة الفرنسية من الشاب المصري الضرير رغم كل العقبات ورغم أن ذلك كان على وشك أن يتسبب في سحب جنسيتها الفرنسية. وعندما عادا إلى مصر ظلت سوزان تساعد زوجها في مشواره الكتابي طوال حياته لم تحاول خلالها أن تبرز على حسابه، بل انتظرت حتى توفي فكتبت كتابا يروي قصة حياته معها تحت عنوان «معك» ترجم إلى العربية في 365 صفحة. ويشير العنوان الذي اختارته للكتاب إلى حالة من الإيثار ونكران الذات التي تميزت بها. كما أنها عندما أرادت طباعته لم تهتم أن تكون باللغة الفرنسية بل حرصت على طبعه بالعربية لكي يقرأه معجبوه من العرب.

ولا يمكن اعتبار زواج سوزان الفرنسية من طه حسين المصري الذي لم يكن ثريا أبدا، إلا أنها تضحية منها من أجل شاب ضرير من بلد أجنبي. وعندما عاد إلى مصر وأصبح رئيسا للجامعة المصرية كانت تساعده في تحضير الدروس. ومن طرائف ما قامت به أنه كان لديه درس حول اليونان وكان يتطلب ذلك معرفة جغرافيتها. فقامت بتصميم خارطة مفصلة لليونان تتضمن سهولها وجبالها مظهرة الجبال بشكل بارز باستخدام الورق، وهكذا بقية التضاريس بأشكال أخرى وكانت تمرر أصابعه على التضاريس حتى يستوعب الخارطة ثم اختبرته بعدها فعلمت أنه قد أتقن ذلك. وعندما بدأ محاضرته في الجامعة طلب تعليق خارطة اليونان فاستغرب الطلاب ذلك حيث إنه ضرير، فقام بشرح الخارطة لهم بشكل دقيق أدهش الحضور، وهو هنا لم يكن يتحدث إلا من خلال عيون سوزان.

ولا نتحدث هنا عن موقفنا من فحوى كتابات أو معارك طه حسين الأدبية، لكننا ندعو الجميع للاستفادة من سيرته، كون فقده للبصر في طفولته لم يمنعه من أن ينهل من معين أمهات الكتب الأدبية وأن يقرأ ويقرأ ثم بعدها يكتب عددا هاما من الكتب الأدبية والتاريخية التي استمر تأثيرها حتى يومنا هذا.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أحمد الخرمدي
1 / 8 / 2020م - 5:58 م
أحسنت أيها الكاتب أيها الأديب
مقال أشبع عقلي وفكري.... هنيئاً لنا بأمجاد امثالك ..... شكرآ من القلب والعقل والفكر . ?