آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:28 ص

تغيير اتجاه البوصلة الداخلية - التغيير يبدأ من الداخل

القانونية جنان صالح *

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. سورة الرعد «11»، ص250.

بوصلتنا الداخلية دائماً ما تحدد وجهات المبادئ والقيم لدينا، بل وتوجه حتى كياننا تبعاً لما تحدده من مبادئ وقيم.

ربما نحن لا نشعر بأن جهاز التحكم بكل ما نقوم به هو بوصلتنا الداخلية بما فيه العقل الباطن والذي هو موطن المحفزات الداخلية للسلوك، ومقر الطاقة الغريزية والنفسية أيضاً.

ما توصلنا إليه وما سنتوصل إليه في المستقبل هو نتاج أفكارنا، والعقل الباطن والذي يسمى بالعقل اللاوعي أو اللاشعور هو الذي يسيطر على هذا.

فلو طرحت سؤال.. ما اسمك؟

ستكون الإجابة معروفة! الجميع سيجيب باسمه.

وهذا هو العقل اللاوعي.. أن العقل مترجم ومبرمج على تلك الإجابة.

لكن لو سألت، ماذا سيحدث غداً؟

هنا سنقف لوهلة، نفكّر يا تُرى ماذا سيحث غداً؛ ثم نجيب، وربما معظمنا سيجيب لا أعلم، أو سيجيب بما هو مخطِط له.

وهذا جواب ناتج عن العقل الواعي، لكن لو عملنا برمجة للعقل الباطن بأن ما سيحدث في الغد وما بعد الغد كله خير فسوف يكون جوابنا على ماذا سيحدث غداً؟ «ج/ كل خير بإذن الله».

وهكذا سنعمل في بقية الأمور، فقط برمجة للعقل الباطن.

فعلى سبيل المثال..

أ - «انا لست مثالي، لكنني أسعى لِأن أكون مثالي» / هذه مجرد جملة لكنها تحمل تحت طياتها الكثير، فالشخص لا يمكن أن يكون مثالي بالمعنى الدقيق لكلمة مثالي؛ فكلمة مثالي وصف لكل ما هو كامل.

نظراً لطبيعته الإنسانية، حيث إن الإنسان غير معصوم عن الأخطاء، كما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: «و ما أُبرئ نفسي إن النفسَ لأمارةٌ بالسوءِ إلا ما رحِمَ ربي إن ربي غفورٌ رحيم». سورة يوسف «53»، ص242.

طالما أن فكرة المثالية أشبه بالمستحيل، إذاً هل يعني ذلك أن يتوقف الإنسان عن السعي نحو المثالية!

بالطبع لا، لكن هناك فرق بين الوقوع في الخطأ والاستمرار على الخطأ وأيضا تفاقم الخطأ.

أولأ: الوقوع في الخطأ أمر مسلّم به، لكن من الضروري أن لا نندم على ما جعلنا نقع في ذلك الخطأ فكما قال الشاعر ابن معصوم المدني: «دع الندامة لا يذهب بك الندم، فلست أول من زلت به قدم..».

ثانياً: ليس عيب أن نقع في الخطأ لكن العيب أن نستمر على ذلك الخطأ مع علمنا بأنه خطأ.

ثالثاً: أيقنت أن الخوض في تجربة فاشلة، أو الوقوع في خطأ صغير ما هو إلا درس لتدارك الخطأ الأكبر، أي إن مهما بلغت عظمة الخطأ الواقع لابُد أن يكون لدغة تُحذرنا من وقوع الخطأ الأكبر.

وكل ما يحدث خيرة، حتى وقوعنا في الخطأ هو أيضاً خيرة، لأن كما ذكرت أن الوقوع في الخطأ المغتفر خيرة لتدارك الوقوع في الخطأ الغير مغتفر.

وبذلك علينا أن نعمل برمجة للعقل الباطن، بأننا سنقع كثيراً في الأخطاء، لكن يتوجب علينا الحذر.

إن أول ما علينا فعله هو معرفتنا بأننا قد وقعنا في خطأ، أي أن نكتشف الخطأ ومن ثم تصحيح الخطأ قبل تفاقمه وتأتي المرحلة الأخيرة بالإقلاع عن ذلك الخطأ.

وبذلك نكون قد حققنا ما نهدف إليه وهو السعي نحو المثالية.. انا خطّاء لكنني لست مديم على الأخطاء.

ولا ننسى أيضاً بأن التغيير يبدأ من الداخل، لذلك أقول بأننا نبدأ ببرمجة العقل الباطن الذي هو عبارة عن جهاز يحكمنا ويحكم أفعالنا.

ب - «أنا أُعطي إذاً انا استحق أن أُعطى» / ذات مرة قالت لي إحدى الصديقات، انا كثيراً ما أُعطي حتى على حساب راحتي، بل حتى أنني اتنازل عن بعض حقوقي تحت مظلة التضحية، وعندما أحتاج إلى أحدهم لا أجد من يأويني ويسندني فكان جوابي عليها بأننا نحن البشر عبارة عن أجزاء وجميعنا نكمّل بعضنا لبعض، لذا فالحياة قائمة على المشاركة والتبادل، ليس لأنني أنانية لأفكر على هذا النحو لكن هذه هي الحياة، فكان توجيهي لها بأن لا تعُطي من لا يستحق العطاء!

فكل عطاء نحن نبذله، لابد من مردود يعود إلينا، حتى عندما أفعل شيء وأقول قربة إلى الله تعالى، هنا انا أعطي لأنني سأحصل في المقابل على ثواب من عند الله سبحانه تعالى، يعني مثلا لو أنني تصدقت على فقير، هل سأطلب منه خدمة مقابل صدقتي! أم أنها لوجه الله؟ بالطبع أنني لا أنتظر المقابل منه هو، بل أنني أرجو الثواب.

لكنني أوجه الضوء على العلاقات الأخرى التي ننتظر المردود مباشرة من صاحبها كالحب مثلا، انا عندما أحب صديق لي فانا أنتظر في المقابل حبه لي.. عندما أقوم بتأدية عملي، انا في المقابل أحصل على راتب.. وهكذا في بقية العلاقات.

لا نغش أنفسنا بأننا قادرون على العطاء دون الأخذ! فكما ذكرت أن حتى الحب الذي نشعر به تجاه أحدهم نحن في المقابل ننتظر تبادل لذلك الشعور.

لذلك نحن نحتاج الى برمجة للعقل بأن كل عطاء له مقابل سواء مباشر أو غير مباشر.

وأيضاً، لا يمكن لشخص أن يتنازل عن حق من حقوقه تحت مسمى التضحية، لأننا غير مجبرون على التنازل عن حقوقنا إلا في حالة التبادل أيضاً.

فكل شخص يجب أن يعز نفسه ويرتقي بها ويدللها ولا يجعلها هشّه وسهلة، فإن لنفسك عليك حق.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿وجزاؤا سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللهِ إنه لا يحب الظالمين. سورة الشورى «40»، ص487.

كما ذكرت أن الحياة قائمة على التبادل إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر.

ومن عفى عمن أساء.. فله أجره عند الله، ولكن أود التنبيه على أمرٍ ما..

في نظري هناك فرق بين العفو وبين تجاهل الحق أو هضم الحق.

ففي الأولى هناك إقرار بالحق لي لكنني أتنازل عن حقي لوجه الله.

أما في الثانية فليس هناك إقرار بالحق إطلاقاً، والمطلوب مني السكوت والمضي قدماً وكأن ليس لي حق في ذلك الشيء بتاتاً، وهذا ما هو إلا خطأ فادح، فلا شيء يُجبر الإنسان على السكوت عن هضم حقه!

إذاً، خلاصة حديثي على هذه النقطة، لا تجبر نفسك على عطاء بدون مقابل، ولا تسمح بأن يُهضم حقك، وبرمج عقلك على.. «انا أُعطي إذاً انا أستحق أن أُعطى».

ج - «الإقلاع من المنطقة الخطرة إلى منطقة الأمان.. بترويض النفس وكبح جماحها» / التهيئة بداية كل تغيير، لذا فالإنسان عندما يقرر الإقلاع عن أمرٍ ما أو تغييره أو تحويله من شكلٍ لآخر لابد أن يقوم بتهيئة للذات، لأن التغيير ليس بالشيء اليسير، حيث إن النفس عندما تعتاد على أمرٍ ما تكون مبرمجة عليه، فلذلك نحن نحتاج الى إعادة برمجة، ونبدأ كما ذكرت بالعقل الباطن، على سبيل المثال.. عندما يعتاد المرء على ممارسة عادة سيئة كالكذب! يصبح الأمر وكأنه شيء عادي وطبيعي بالنسبةِ له أي كشرب الماء كما يُقال، لذا لابد أن يكتشف أولاً بأن ذلك الشيء أصلاً ليس بالشيء الطبيعي سواء بنفسه أو بتحذير وتنبيه من أقاربه، ومن ثم يبدأ بمراقبة نفسه وإقناعها على خطورة هذا الأمر حيث إن هذه صفة من الممكن أن تدمر صاحبها إن أصبحت عادة! وبالتدريج يحدث الإقلاع.. بالأكتشاف أولاً كما ذكرت ومن ثم معرفة خطورة الصفة أو العادة أو أيٍ كان وبعدها يبدأ بعمل البرمجة حتى يستطيع الإقلاع من منطقة الخطر إلى منطقة الأمان.

نحن البشر عبارة عن أجزاء نكمّل بعضنا لبعض، وكأننا نخوض معركة ضد الظلام لننير العتمة، فكل منّا يحتاج إلى مُرشد يساعده على التنقل من منطقة إلى منطقة، سواء بالتنبيه عند الذهاب إلى منطقة الخطر أو بالمساعدة على الإقلاع من تلك المنطقة.

ذكرت أن التغيير يبدأ من الداخل ببرمجة العقل الباطن، لكن لا نغفل عن أن العوامل الخارجية لها تأثيرها في المراحل التالية لمرحلة برمجة العقل، بما فيها نحن.. بصفتنا أب/أم، أخ/أخت، صديق/ة، زوج/ة.. أو أي ما كانت صفتنا، كعامل مؤثر في التغيير الذي سيحصل.

لذا إن كنت تستطيع أن تؤثر بشكلٍ نافع وإلا! قف مكتوف الأيدي مربوط اللسان ولا تثير ما لا ينفع.