الحلقة الثالثة
نجوم في سماء سيهات «شخصية وطنية رائدة»
من الطبيعي أن تختلف الشخصيات في إمكاناتها ومهاراتها وطموحاتها، وذلك لاختلاف عوامل التربية والبيئة والثقافة.
وكذلك يجري الأمر على مستوى المجتمعات، ونحن نشهد التفاوت الكبير بين مستويات المعيشة والرفاه والتقدم العلمي بين دول العالم.
إن من أهم أسباب تقدم المجتمعات، تقدير الكفاءات والاستثمار في بناء الشخصيات القيادية.
وفي الحلقة الثالثة من سلسلة «نجوم في سماء سيهات» أسلط الضوء على شخصية رائدة في العمل الخيري التطوعي وتنمية الموارد البشرية على مستوى الوطن، إنها الأستاذة الفاضلة منى عبد الله الشافعي.
حاولت أن أجمع أكبر قدر من المعلومات حول شخصيتها، فرجعت إلى سيرتها الذاتية، وبعض مقالاتها، كما استفدت من مقابلة أجريت معها في منتدى الساحل الشرقي سنة2005م، ووجهت لها بعض الأسئلة حول تجربتها الثرية، لكني أرى أنها بحاجة إلى بحث مفصل، يعطي الشخصية والتجربة حقها.
تُبنى الأوطان بسواعد أبنائها، وتتقدم بما تمتلك من شخصيات فاعلة، ومشاريع ناهضة، وقد برز في مجتمع سيهات رجال أفذاذ، أسهموا بعطائهم المميز في مختلف المجالات، العلمية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والفنية.
لكن على صعيد النساء نجدهنَّ عدداً محدوداً، لا يتناسب والإمكانات الكبيرة التي تمتلكها المرأة في العصر الحاضر.
وذلك لأسباب وعوامل متعددة، من أهمها الثقافة والتربية والأجواء الاجتماعية العامة.
ولهذا أحببت أن أقدم لفتيات الجيل الواعد، نماذج مميزة من نساء سيهات، كقدوات يُحتذى بهن ويستفاد من تجاربهن وخبرتهن العلمية والعملية، ذلك أن القدوة الحاضرة من أفضل عوامل إيضاح الحقائق وتمثل الصفات.
عندما أقول «رائدة» فإنني لا أبالغ ولا أجافي الحقيقة، فمن يطالع السيرة الذاتية للأستاذة منى الشافعي، ويتعرف على أدوارها القيادية وإنجازاتها النظرية والعملية، يدرك حقيقة الريادة التي تتمتع بها الأستاذة الفاضلة.
فقد كانت المؤسس لـ «المركز النسائي في جمعية سيهات» قبل ثلاثين سنة، في عام 1409 هـ ،
ومن يتذكر ما كانت عليه الأنشطة النسائية في تلك الفترة تتأكد لديه هذه الحقيقة.
هي قصة حلم وإرادة وتصميم وتعاون مثمر، التقى ذلك الحلم الذي دار في مخيلة الفتاة منى الشافعي، والرؤية التي تسبق الزمن عند المرحوم الحاج عبدالله المطرود والحاج أحمد الشافعي «أبو منصور».
تسرد الأستاذة منى الشافعي بعض ذكرياتها، ثم تذكر قصة التأسيس:
كان وجود عمي الحاج أحمد الشافعي في الجمعية لسنوات طويلة، حاضراً أمامي فقد كان جدول حضوره ثابت في اجتماع الجمعية كل خميس، وكان يشرف على بيت الطفولة السعيدة آنذاك «روضة سيهات» وكنت إحدى أطفالها، فكبرت وذكرياتها تكبر معي، واهتمام عمي بها وبالأعمال الخيرية، فكنت أراقب هذا العمل عن كثب، حتى تساءلت ذات مرة: أين المرأة في الجمعية؟!
بالطبع كان هناك سيدات جليلات، كن الرائدات في نشاطات الجمعية كمربيات رياض أطفال وموظفات في المجمع الصحي.
وبداية الفكرة انقدحت في ذهني من شغفي بقراءة المجلات، كنت أتابع مجلة النهضة الكويتية وكانت المجلة تغطي الأنشطة النسوية في الكويت، وكانت تشد انتباهي بقوة، وكنت أنتظر اقتناء العدد أسبوعياً وأبدأ قراءته من صفحات المجتمع، التي تعرض صور اجتماعات الجمعيات النسائية ونشاطاتها ومشاريعها الخيرية، فكانت بذرة الفكرة لمشروع مماثل في بلدتي.
أمر آخر كان يلفت نظري، وهو رتابة الحياة في مجتمعنا، لم تكن ثمة مشاريع ولا أنشطة، في حين كانت متوفرة في مدن مجاورة، كالمجتمع الداخلي لشركة أرامكو وجمعيات نسائية أخرى في الدمام والخبر، هذا الأمر دعاني للتفكير بشكل جاد أن أقدم على خطوة تأسيس اللجنة النسائية في جمعية سيهات.
تضيف الأستاذة منى: بفضل نظرة ثاقبة كانت لوالد الجميع المرحوم الحاج عبدالله المطرود رئيس مجلس الإدارة في تلك الفترة وعمي الحاج أحمد الشافعي، وبفضل إيمانهما بالدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة في المجتمع، بالإضافة إلى إلحاحي على عمي بأهمية تأسيس مشروع أو نشاط للمرأة في الجمعية، كان حماسهم لتأسيس اللجنة، فكنت أسعى لإقناع عدد من السيدات بأهمية المشروع، وهكذا اجتمع بنا الحاج عبد الله المطرود رحمه الله وعمي أبو منصور، وشرحا لنا تطلعاتهما للمشروع، وقصة تأسيس جمعية سيهات، ليثيرا في نفوسنا الحماس للانطلاق.
كما لا أنسى تلك المجموعة القيمة من الكتب التي أهداها لي الحاج، لتكون ورداً صافياً أستقي منه مشارب اللجنة النسائية.
بعدها بدأ عمي الحاج أبو منصور البحث عن مكان كمقر للجنة، وبذل جهوداً كبيرة في ذلك، وأتذكر أول زيارة لي للمكان، فقد كان خربة مهجورة، لا سيما وهو مبنى مزيج بين الوحدات الأسمنتية ووحدة خشبية «بارتبول»
وبتضافر الجهود تحول المكان لما هو عليه، وأصبح ساحة لنجاحات نسائية متوالية بتوفيق الله سبحانه.
ولعل سائل يسأل: ما هي العوامل التي ساهمت في بناء هذه الشخصية المميزة؟
راجعت بعض المقابلات التي أجريت مع الأستاذة منى، كما اطلعت على سيرتها الذاتية، لأجيب على هذا السؤال.
أولاً: التربية
تلقت تربيتها في عائلة معروفة بالتدين والأخلاق والثقافة، فوالدها الحاج عبدالله عبدالله الشافعي، يحمل رؤية واضحة عن أهمية التربية منذ وقت مبكر، وله أسلوب راقٍ في التعامل مع أبنائه.
كما أنه مولع بالقراءة والاهتمام بالثقافة منذ زمن طويل، وقد اتصلت به أثناء كتابة هذه السطور، وسألته عن بعض ذكرياته، فقال: أتذكر أنني كنت آخذ بناتي إلى مكتبة باقر النصر، قبل أكثر من خمسين سنة، لأشجعهم على قراءة القصص، وهي أول مكتبة في سيهات، كما كنت أشجع أبنائي على قراءة الكتب من مكتبتي الخاصة، لأن القراءة لها دور كبير في بناء شخصية الإنسان.
ثانياً: الثقافة
تلعب الثقافة دور كبير في تكوين الرؤى، واتساع آفاق التفكير، خصوصاً إذا بدأ التثقيف من مرحلة الطفولة، فكأن الشخصية تعجن بماء المعرفة والثقافة.
تقول الأستاذة منى: من العلامات الفارقة في طفولتنا مكتبة باقر التي كنا نزورها مع والدنا لنقتني منها قصص المكتبة الخضراء، وسلسلة عالم الطبيعة وقصص الأنبياء.
وكان لمكتبة والدي الكبيرة قياساً لذاك الوقت والمليئة بأعداد كثيرة من مجلة العربي الأثر الكبير في نشأتي، فقد عايشت الستينات التي ولدت في نهايتها عبر هذه المجلة، وكثيراً ما تمنيت أني ولدت قبل تاريخ ميلادي، لأعيش هذه المرحلة.
في هذه المكتبة قرأت أول ديوان شعر وأنا في الصف الثاني الابتدائي، وكان ديوان الجداول لإيليا أبو ماضي، وحفظت قصيدة البحر وفي المدرسة كنت أنشدها على زميلاتي.
ثالثاً: الدراسة والدورات التدريبية.
مما لا شك فيه أن الدراسة والتخصص العلمي له دور كبير في الانطلاق من أسس علمية، تُمكّن صاحبها من وضع الخطط ومتابعة سيرها وفق منهج مدروس، وقد اهتمت الأستاذة منى بالجانب العلمي، وواصلت دراساتها التخصصية.
فهي تحمل شهادة بكالوريوس في اللغة عربية، وشهادة الماجستير في تطوير الموارد البشرية «تعليمي» educational human resource development، إضافة إلى الشهادة المهنية لتطوير الموارد البشرية من جامعة «Texas A &M»
كما أجهدت نفسها في تحصيل أكبر قدر من الكفاءة العلمية عبر الدورات التدريبية، فحصلت على شهادة الدراسات العليا في إدارة العمل التطوعي والمنظمات غير الربحية، إضافة إلى عدد كبير من الدورات التطويرية، التي مكنتها من العديد من المهارات العملية، كالإدارة والقيادة والتحدث والإلقاء والكتابة والاستقراء والبحوث، وتحليل الاحتياجات التدريبية وإعداد البرامج التدريبية، مما أهلها لاعتمادها كمدربة من جهات ومؤسسات عالمية ومحلية.
رابعاً: الممارسة العملية.
الكفاءات العلمية المتخصصة، حين تبقى في إطارها الأكاديمي لا تأخذ حظها من التطور، أما إذا نزلت الميدان وعايشت الحياة العملية، تمكنت من اختبار النظريات ومدى صلاحيتها للتطبيق، وما يعتورها من نقص.
وقد وفقت الأستاذة منى الشافعي في الجمع بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي، منذ وقت مبكر، وذلك لتفاعلها وحبها للخدمة الاجتماعية، وتسنمها عدة مناصب قيادية، أسهمت من خلالها في خدمة المجتمع المحلي والوطن بشكل عام.
وقد سألتها عن التوفيق بين العمل الخيري والتدريب، فكانت إجابتها:
الواقع أن العمل الخيري قادني للتدريب، فالنجاحات التي حققتها اللجنة النسائية بالكوادر التي انضمت إليها، قادت الكثير من الجمعيات المجاورة لمحاكاة نموذجها، إذ أن معظم الجمعيات في المنطقة جمعيات رجالية، لكن لديها العديد من الأنشطة تستهدف المرأة والطفل، وكانت تجربة جمعية سيهات في تأسيس لجنة نسائية وإسناد الأنشطة التي تستهدف المرأة والطفل لها، حافز ومشجع للجمعيات الأخرى، فكنا نستقبل العديد من المجموعات النسائية ونشرح لها آلية العمل وكانت هذه خطوتي الأولى في التدريب، كما أن استحداثنا لبعض البرامج التدريبية التي لم يكن لدى معظمنا فكرة عنها، دفعني إلى البحث عن الفرص التدريبية حولها في المنطقة وخارجها، وبعدها كنت أعيد التدريب على البرنامج لزميلاتي وللكوادر اللاتي نعهد لهن تنفيذ هذه البرامج، وهكذا انطلقت في مجال التدريب.
من يطالع السيرة الذاتية للأستاذة منى الشافعي يلاحظ اتساع عطاءها بشكل يبعث على الإكبار والتقدير لهذه السيدة الفاضلة، فمنذ عرفت العمل التطوعي وإلى اليوم وهي تقدم خدماتها بشغف وتفاعل كبير، وكل من تعامل معها يدرك سرعة استجابتها لأي خدمة تُطلب منها، فقد شاركت في برامج تطويرية لكثير من اللجان والجمعيات الخيرية في المنطقة، عبر تقديم الدورات التدريبية للعاملات، وحضور الاجتماعات والملتقيات التطويرية.
من الطبيعي أن تبحث إدارات الملتقيات والمؤتمرات العلمية والحوارية عن شخصيات لها من الكفاءة العلمية والقدرة على الإلقاء والحوار ما يرفع من مستوى الملتقى أو المؤتمر، ومن خلال المشاركات الواسعة للأستاذة منى، ندرك مكانتها في الأوساط العلمية والمؤسسات الاجتماعية.
فقد شاركت في حوالي عشرة ملتقيات، في مختلف الجوانب الثقافية والاجتماعية والخيرية والموارد البشرية للمدربين والمدربات.
وفي سنة 2005م، شاركت في الحوار الوطني ا لخامس في أبها، تحت عنوان «نحن والآخر.. رؤية وطنية مشتركة للتعامل مع الثقافات العالمية».
تعتبر الأستاذة منى الشافعي مدربة من الطراز الأول، سواء في تعدد مجالات التدريب، أو الأسلوب أو عدد سنوات الخبرة وسعة الانتشار، في المملكة ودول الخليج، ومن المجالات التي أبدعت فيها:
1/ التطوير الذاتي والمهني.
2/ المهارات اللطيفة soft skills.
3/ الإدارة والتخطيط.
4/ تطوير المؤسسات.
5/ إدارة العمل التطوعي والمتطوعين.
تتميز الأستاذة منى الشافعي بالتفكير العلمي المنطقي، فهي صاحبة نظرية في كل البرامج التي تتسلم قيادتها أو تشارك فيها، ولها آراء وأفكار مهمة في العمل التطوعي والبرامج الصيفية وتطوير وبناء الشخصية والنهوض بدور المرأة في مجتمعنا المحلي، وأستعرض هنا بعض النماذج من أفكارها بشكل من الإيجاز:
حب عمل الخير متأصل في مجتمعنا، فقد تربينا على التعاون والتكافل، والمشاركة في الأفراح والأتراح، فالغالب على أبناء مجتمعنا التجاوب مع دعوات الخير، والعمل من أجل الصالح العام، وفي مرحلة تالية تأتي الرؤية المنظمة الجامعة للطاقات في بوتقة عمل مؤسسي، وفق أنظمة وقوانين تُسَيِّر العمل وتعبر به إلى تحقيق أهدافه وفق خطة مرسومة.
وهذا ما تميزت به الأستاذة منى الشافعي منذ وقت مبكر، فهي تمتلك رؤية واضحة في العمل التطوعي، تشكلت من خلالها خبرتها العملية، وقراءاتها المتعددة وممارستها لمهمة التدريب والتطوير، كما واصلت دراساتها في إدارة المنظمات التطوعية.
لقد قرأتْ ثم طبقت واكتشفت التفاصيل، فكتبت عنها وساهمت في علاج بعض مشاكلها، ولها في ذلك كتابات مميزة، اطلعت على بعضها قبل خمسة عشر سنة.
تقول: العمل التطوعي يتطلب ما يعرف بال3H وهي الحرف الأول لكل من ال HEAD، HART، HAND وهي الرأس والقلب واليد، بمعنى أن العمل التطوعي بمقدار ما يحتاج أن تحبه بقلبك وتعمل فيه بيدك فهو أيضاً يحتاج عقلا مفكرا واعيا، في حين أن معظم أعمالنا الاجتماعية والتطوعية تقوم على ولائنا العاطفي وعمل أيدينا وقلما يتقبل أن نفكر فيها بعقلنا.
العمل الاجتماعي هو عمل جماعي له خصائصه وديناميكيته الخاصة، فطبيعته هي أحد معوقات تقدمه، فإذا ما تفهمنا هذه الخاصية للعمل الاجتماعي فسنكون أكثر قدرة على تذليلها والتعامل معها باعتبارها معوقاً بدهي ومقبول، في حين أن المعوقات غير البدهية هي عدم انسجام الفريق العامل وافتقاد القائمين على الأعمال الاجتماعية والتطوعية مهارات العمل الجماعي الذي يتطلب فهماً عميقاً بنفسية الأفراد حال انتظامهم في عمل جماعي والموازنة بين متطلباتهم ومتطلبات العمل، وهنا تظهر براعة القائد في خلق الانسجام بين احتياجات الأفراد ودينامكية العمل وخلق رؤية مشتركة تصب جهود الأفراد كافة في بؤرتها لأن الإخفاق في هذه المهمة سيولد الكثير من المشاكل التي تعرقل مسيرة العمل الاجتماعي والتي من أهمها الصراع والاختلاف إضافة إلى عدم الاتفاق على الأهداف والإجراءات وهي أمور من صميم التخطيط.
الانتشار الكبير للجمعيات واللجان الخيرية مثلج للصدر، لأن الناس تختار أن تساهم بإيجابية في التغيير الذي تريده، والملاحظ أن الجمعيات أخذت طابع التخصص مما يعني أنها تعمل على قضية محددة تسخر وتجند كافة مواردها لها، مما ينعكس بشكل إيجابي على مخرجات هذا العمل.
كما أن هناك تحول كبير في مقاربات العمل الخيري وتحوله من عمل رعوي إلى عمل تنموي ومؤخراً تنحو الأدبيات فيه وواقع العمل إلى التركيز على الاستدامة الفعالة فيه، ولذا لا ينبغي لأعمالنا الخيرية التطوعية أن تراوح مكانها في ظل هذا التسابق والتطور المتلاحق، كما ظهرت مؤخراً فكرة الريادة الاجتماعية، وهي نقل لفكرة الريادة من الأعمال الربحية للأعمال الاجتماعية، لتعزيز التنمية المستدامة وإيجاد حلول نابعة من المجتمع نفسه لقضاياه الاجتماعية والثقافية والبيئية، لذا من المهم أن يواكب العمل الخيري التطوعي هذه التغيرات والمستجدات في ساحته.
العمل التطوعي فرصة لتعلم الكثير، ولكن هناك عدة مواقف جعلتني أتوقف عندها وأعيد حساباتي فيها!
أحدها: أن العمل التطوعي لا يعني الوصاية على الناس، ولا نعتقد أننا بالقيام بعمل فإننا قادرين على إحداث التغيير الذي نرغب في حياة الآخرين، ما لم يكونوا شركاء معنا في إدراك واقعهم وتحديد احتياجاتهم وأولياتهم وما يرغبون في تغييره، هذا جعلني أقتنع أن العمل الخيري هو عمل مع الناس وليس لأجل الناس.
ومن الدروس التي تعلمتها في العمل الخيري أن النوايا الحسنة لا تكفي، فالعمل الخيري اليوم له أدبياته ومناهجه ونظرياته التي لابد من الاستفادة منها، لتجنب العمل عن طريق تجربة الخطأ والصواب.
أصبح استقطاب المتطوعين تحدياً كبيراً بالنسبة للجمعيات والمشاريع الاجتماعية، بسبب كثرة مشاغل الناس وضيق أوقاتها، ولكن مع ذلك نرى أن الناس تقوم بما تستمتع به، وهذا تحدٍ آخر في جعل بيئة التطوع بيئة جاذبة وليست طاردة، وجعل تجربة التطوع تجربة ممتعة تغري المتطوع بالمداومة والاستمرار، أضف إلى ذلك مشكلة البطالة التي يعاني منها المجتمع اليوم فمعروف أن التطوع يأتي عندما تلبى الاحتياجات الأساسية للإنسان، أيضاً عدم الاهتمام بتنمية وتربية الحس الاجتماعي عند أطفالنا، وعجز مدارسنا عن تعهده وخلق جو من المسؤولية المشتركة تجاه القضايا والأمور التي تحدث حولنا، في المقابل هناك رغبة في التطوع ملحة عن فئة كبيرة، لكن عدم تنسيق الجمعيات والمشاريع الاجتماعية جهود المتطوعين، وافتقادها للإدارة الفعالة للمتطوعين يسهم في إحجام الكثير عن التطوع.
الإجازة هي الفضاء الذي تتطاير فيه أرواح أبنائنا وبناتنا بعد كسر أطواق النظم التعليمية التي تقيد تفكيرهم بدفتي الكتب الدراسية، فما أن تشرع الإجازة أبوابها حتى ينطلق أبناؤنا، تدور حدقات أبصارهم في هذا الكون حولهم، فتتلاقف هذه الأبصار وجهات عدة من تلفزيون وانترنت وشلل ومقاهي وأسواق وقائمة طويلة تبتلع هذه الطاقات التواقة للاستطلاع وإشباع الفضول.
والبرامج الصيفية فرصة سانحة لتعويض الطلاب والطالبات الكثير من المغيبات في مناهج الدراسة، ولذا فإن هذه البرامج مطالبة ببناء منظموتها الإدارية والفنية بشكل علمي، فتحديد أهداف البرنامج وفلسفته من شأنه أن يحدد ملامح البرنامج ويعطيه صبغة محددة يعرف بها، وتساعده على تحديد المناشط التي تمكنه من تحقيق أهدافه وأسس اختيار الكوادر العاملة على تنفيذ هذه الأنشطة ومن ثم توافر آليات قياس نسبة ما تحقق من هذه الأهداف ومعرفة مستوى الأداء والنتائج التي خرج بها المنتفعين منه.
لتكون المرأة مبدعة وقوية تحتاج أن تكون صاحبة رؤية ورسالة في هذه الحياة، بمعنى أن تكون لديها صورة متخيلة للهدف الذي تريد إنجازه، وتعرف الوسائل التي تساعدها على إنجازه، كما تحتاج إلى التركيز والالتزام بتحقيقه، وهذا يتطلب مجاهدة وتضحيات كبيرة، بحيث تجير كافة الوسائل الممكنة لتحقيق هذا الهدف، كما يتطلب إيماناً مطلقاً بهذه الأهداف، كي تجد أهدافها ماثلة أمام عينها في يقظتها ونومها وحديثها ومطالعاتها بالدرجة التي تشعر أن حياتها جيرت لهذا الهدف فقط.
وهذا لن يتأتى للمرأة إلا إذا نظرت لذاتها نظرة إيجابية تشعر من خلالها أنها جديرة بتقلد هذا الدور وتملكها الوعي عميق بذاتها فتعرف نقاط قوتها ونقاط ضعفها مما يعزز ثقتها بنفسها وبناءها لهذا الوعي، هذا لا يكون إلا في ظل بيئة مشجعة ومساندة للمرأة.
في وقت نحن أحوج ما نكون لنشر ثقافة التسامح والتي وصفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو بالفضيلة المهددة بالخطر عندما أعلنت عام 1995 ميلادي عاماً دولياً للتسامح.
هذه الفضيلة التي تتوارى وراء أتون التعصب التي تستعر في جنبات العالم، والتي حددت اليونسكو خمس سبل لتعزيز ثقافة التسامح ومواجهة التعصب وهي الثقافة الغائبة في فضاءاتنا الاجتماعية والثقافية.
الوسيلة الأولى: السعي الحثيث لإقرار نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية يأتي في الإطار القانوني الذي يجرم كافة أشكال التمييز وازدراء الآخرين
الوسيلة الثانية: تبني التعليم لفضيلة التسامح وحقوق الإنسان وتشجيع الأطفال على الانفتاح على الثقافات الأخرى وتقدير التنوع فيها
الوسيلة الثالثة: الإعلام الذي يلعب دوراً محورياً في تشكيل المجتمعات اليوم فرفع سقف الحرية للصحافة والإعلام وإتاحة التنوع في الأراء والتعدد في الطرح يعزز قبول التسامح.
الوسيلة الرابعة: الوعي الفردي وهي تحد شخصي كبير وصعب الإنجاز لأننا نتفحص فيه هويتنا وانتمائنا،
الوسيلة الخامسة: هي الحلول المحلية والتي تنبع من الناس انفسهم التي يتواصل فيها الناس من كافة الأطياف والمناطق ليؤكدوا على وحدتهم الوطنية.
بعد هذا الإبحار السريع في شخصية الأستاذة الفاضلة، أقدم توصيات أراها مهمة جداً:
التوصية الأولى: من المهم جداً أن تكتب الأستاذة منى الشافعي تجربتها في العمل التطوعي وتنمية الموارد البشرية، فهي تجربة غنية تستحق أن تنقل إلى جيل الشباب المتطلع إلى التفوق الشخصي والعطاء الاجتماعي.
التوصية الثانية: تربية مجموعة من الفتيات وتهيئتهن كقياديات يقدمن خدماتهن للمجتمع والوطن بشكل عام.
التوصية الثالثة: تستحق الأستاذة منى الشافعي أن يقام لها حفل تكريم يليق بها، للجهود الكبيرة التي قدمتها والأنموذج الفريد الذي قدمته للمرأة الواعية المعطاء على مستوى الوطن.
فهي بحق شخصية وطنية رائدة.