آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

الحسين فداء الغدير

فؤاد الحمود *

الغدير محطة مهمة في حياة الأمة الإسلامية انتجت مدرسة متأصلة وراسخة الجذور بعمق سماوي أعطاها أبعاداً كبيرةً، جعل منها مفترقا بين مسارين اتخذتهما الأمة الإسلامية.

ينبع خطر وأهمية حادثة الغدير في صياغة السماء لنبيه ﷺ ﴿۞ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ۞ فجعلت من الجهد الذي بذله رسول الله ﷺ خلال الدعوتين السرية والجهرية والتي استمرت لثلاث وعشرين سنة تضمنت الجهاد والذّب عن الشريعة السمحاء، والتي استشهد من خلالها خيرة الأصحاب كعمه سيد الشهداء الحمزة بن عبدالمطلب وغيره من الأفذاذ.

هذا التاريخ الكبير الحافل بالمنجزات العظيمة اختزلت نتيجته بعد حجة الوداع على تلك الأرض التي هي مفترق الطرق للحجيج، فأمر النبي ﷺ المتقدمين أن يرجعوا وانتظر المتأخرين حتى يصلوا؛ ليعلنها مدوية للجميع بعد دراما فنية، ومقدمة رائعة تنبئ بخطورة الموقف وأهميته تمهيداً وامتثالاً لأمر السماء بتبليغ الحدث الكبير والتي توحي الآيات الكريمات أن هناك عتابا إن لم تفعل.

ومع أن حادثة الغدير درس كبير للأمة؛ أجمعت كل الفرق عليه رغم تباين التفسيرات إلاّ أنه لا يستطيع أن ينكره إلا متعام أو جاهل تلبس بغشاوة، وما أكثر الكتب والموسوعات التي ألفت في الغدير نثراً وشعراً التي ملأت المكتبات الإسلامية؛ وحسبك ”الغدير في الكتاب والسنة والأدب“ للشيخ الأميني - أعلى الله في الخلد مقامه - الذي يعد بحق أكبر موسوعة عقائدية تاريخية أدبية كتبت دفاعاً وكفاحاً عن الانحرافات والتشوهات التي حدثت منذ بداية الإسلام.

هذه القضية الكبرى والتي انبرت في الدفاع عنها مولاتنا الزهراء حتى أضحت شهيدة كبرى في مقتبل عمرها الشريف والتي لم تتجاوز الثامنة عشر من عمرها دفعاً عن مبدأ الإمامة هذا المبدأ الإلهي العظيم الذي تمسك به الشيعة الأبرار وفرّط فيه الكثير.

وهكذا كانت الأدوار تباعاً للأئمة المعصومين والتي بذلت فيها الأرواح؛ فما استشهاد الإمام الحسن من قبل الدولة الأموية بالسم إلا بعد آخر ونتيجة عن دفاعه لمبدأ الإمامة.

وها هي معركة كربلاء العظيمة التي جسدت التضحية بأسمى صورها والتي شارك فيها المعصوم ومن هو دون المعصوم رتبة كالأكبر والعباس وأم المصائب عقيلة الطالبين زينب بنت علي والعائلة الشريفة النسب مع جملة من الأصحاب الذين قل نظيرهم، وكفاهم فخراً وشهادة من سبط النبي ﷺ ”فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي“، فكل تلك المعركة الكبيرة كانت من أجل ما أصلّه النبي ﷺ يوم الغدير ولرجوع الحق لأهله.

ومع فداحة المصاب الذي جرى في يوم عاشوراء وأنه البذرة التي حافظت على الإسلام، وقد أجاد المصلح جمال الدين الأفغاني حين أطلق تلك الكلمات المدوية ”الإسلام محمدي الوجود والحدث، حسيني البقاء والاستمرار“.

كل هذا ومع ما نكنّه للإمام الحسين من فضل في حفظ الإسلام وأن ما وصلنا كلّه من بركات عاشوراء، أو كما عبر الإمام الراحل قدس سره: ”إنّ كل ما عندنا هو من عاشوراء“، ومع الاهتمام الكبير بيوم الحسين ومصابه العظيم؛ إلا أنّه يجب أن نحيي المناسبة العظيمة والذكرى الخالدة وعيد الله الأكبر ذكرى عيد الغدير والذي يصادف الثامن عشر من ذي الحجة.

فمن واجبنا أن نكرس الطاقات ونبذل الغالي والنفيس ونقدم الجهود لإظهار هذا الحدث بالشأن الذي يتناسب مع منزلته العظيمة ومقامه الشامخ وليس تقليلاً من شأن عاشوراء والتي يلاحظ أن المجتمع الشيعي بأسره يبدي التحسر والتحسف أن يأتي عاشوراء على غير ما كنا متعودين عليه من إحياء بسبب الوضع الخاص بالجائحة المسماة ”الكورونا“.

فالغدير يستحق منا جميعا الوقوف والسعي الحثيث لإظهاره للعالم أجمع بما يتناسب وما بذلته العترة الطاهرة في الحفاظ على مبدأ الإمامة لتظل ذكرى النداء النبوي الخالد ”ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيثما دار“ اللهم إيمانا بك وتصديقا بوعدك واتباعا لسنة نبيك في عترته الطاهرة.