آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:00 ص

التغيير ونقطة الانهيار

طه الخليفة

في علم المواد، تُختَبر قطعٌ من المواد المعدنيّة، بتعريضها لقوى شدّ، ويتمّ زيادة قوى الشدّ تدريجيّاً، حتى تصل القطعُ إلى نقطة الانهيار، حيث تتعرض المادة للتحطّم، ويُسمى هذا اختبار التحمّل.

بناءً على ذلك، تُحدّد قوة تحمّل مادة ما، بمستوى القوّة التي أدت إلى تحطّمها. هذا المستوى مهم في عالم الصناعة، إذ يُساهم في عملية اختيار المواد المناسبة، وتحديد الطاقة القصوى للتّحمّل، للمنتجات المختلفة.

إن تعريض المواد، أو المنتجات لقوى تفوق قوة الشدّ القصوى، تُحدِث بها ضرراً دائماً، تماماً مثل ما يعرّض ركوب رجل بالغ لدرّاجة أطفال، تلفاً للدرّاجة، بسبب زيادة الحمل عن قوة تحمّل الدَرّاجة القصوى.

كذلك، في عالم الاقتصاد، هناك ما يسمى باختبار التحمّل للبنوك، والمؤسسات الماليّة، حيث يتم مراجعة الملاءة الماليّة لهذه المؤسسات، لتفادي وقوعها في أزمات ماليّة قد تعرّضها، وتعرّض المنظومة الاقتصاديّة للانهيار.

نود هنا أن نستفيد من هذه الفكرة فيما يخص الإنسان، سواءً على مستوى فردي، أو كجزء من كيان اقتصادي كالمؤسسات، أو كعضوٍ في المجتمع، وخصوصاً فيما يتعلّق بالتغيّرات للأنماط السلوكيّة والقيميّة.

خُلِق الإنسان بطبيعته مفكراً، ساعياً للتطوّر، يقيّم الماضي، والحاضر، ويتصوّر رؤى للمستقبل، ويضع خططاً لتحقيقها. نتيجة لذلك، تتولّدُ قوى متجاذبة، يريد بعضها أن يُحدث تغييرات، وفقاً لما يرى فيه المصلحة الذاتيّة، أو العامّة، ويريد البعض الآخر الإبقاء على الوضع الراهن، لأنه يرى المصلحة في ذلك.

يخضع الأفراد لتأثير هذه القوى، فيتكوّن لديهم دوافع، وقناعات، فينقسمون إلى مؤيدين، وداعمين، ويقابلهم أناسٌ ممتعضين، وغير مساندين، وربما يقف البعض على الحياد مترقبّين. إنها ديناميّة التفاعل البشري مع ماضيه، وحاضره، ومستقبله. منذ أن وُجد الإنسان على الأرض.

إلى هنا لا توجد مشكلة، فالاختلاف طبيعة بشريّة، والتغيّر سنة الحياة، وهو الثابت الوحيد فيها. تبدأ المشكلة عندما تتكوّن إحدى الحالتين التاليتين:

1 - أن يكون التغيّر سريعاً، ولا يستطيع الفرد، والمجموعة مواكبته، كما في حال إن كانت إدارة مؤسسة تريد أن تُحدث تحوّلاً في أنظمة التحكم الإلكترونيّة في فترة زمنيّة ضيقّة، بينما لم يتم تدريب الموظفين على النظام الجديد، فلن يدعم الموظفون محاولة الإدارة للتغيير.

2 - المواجهة الحادة بين القوى المختلفة، وعدم إدارة الاختلاف بشكل منهجي، وعقلاني، فتعمل كل قوة على كسر القوى الأخرى، وينتقل ذلك إلى مستوى الأفراد.

في الحالة الثانية، يتحوّل الاختلاف إلى خلاف، ومع ازدياد حدّته، يخضع الفرد، أو الكيان المؤسسي، لاختبار تحمّل. وفي حال تزايد قوة الضغط عن مستوى التحمّل، قد يتعرض الكيان لانكسار، أو تلفٍ دائم، تماماً كما حصل للدرّاجة الصغيرة، عندما حاول قيادتها رجلٌ بالغ، يفوق وزنه قدرة تحمّل الدراجة.

في كثيرٍ من المؤسسات، توجد مدرستان: إحداهما تتشبّث بالأنظمة والقوانين العمليّة القائمة، والنمط المتوارث في الإدارة وأساليب التشغيل والعمل، وأخرى تنشد التجديد، وتحدي الانظمة والقوانين المتوارثة، وأكثر ماقد يرهق كاهل المؤسسة، هو تشكّل تكتلات، يعمل بعضها ضد الآخر، فتصاب المؤسسة في مقتل بتناقص الفعّالية والجودة والإنتاجيّة.

إن عمليّة التغيير، والتطوير تحتاج إلى ما يُسمى بإدارة التغيير، لتكون الرؤية واضحة، وليكون التغيير مرغوباّ به، ومنهجياّ، ومحدّد المعالم، ولدرء المفاسد، التي أهمها سلامة الفرد، والمجموعة، والكيان المؤسسي، من الانهيار، ودمتم سالمين.