كلامكم نور: الإمام الرضا (ع)
لقد أشاد الإمام الكاظم عليه السلام بولده الإمام الرضا ، وقدّمه على السادة الأجلاّء من أبنائه، وأوصاهم بخدمته، والرجوع إليه في أمور دينهم، فقال لهم: «هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد «صلى الله عليه وآله وسلم»، سلوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم، فإنّي سمعت أبي جعفر بن محمد «عليه السلام» يقول لي: إنّ عالم آل محمد «صلى الله عليه وآله وسلم» لفي صلبك، وليتني أدركته فإنّه سميُّ أمير المؤمنين...» [1] .
لأن كلمات أهل البيت كلمات نور وهداية، ترسم معالم الحياة الكريمة للإنسان، فهي جديرة بالحفظ والعمل بها، وقد شملت كلماتهم مختلف العلوم والمعارف الإسلامية، وفي هذه المقالة القصيرة نعرض بعض كلمات الإمام الرضا وبعض التأملات:
قال الإمام الرضا : من جلس مجلسا يحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب [2] .
في عصر الانفتاح المعلوماتي ووسائل التواصل الإعلامية الحديثة، ومع هذه الثورة في عالم الاتصالات، ومع هذا التقدم إلا أنها لم تشبع الجانب الروحي للإنسان، فالمشاكل الروحية والنفسية وزيادة المشاكل الاجتماعية في تسارع مستمر.
ولذا نحن بحاجة للعودة لمجالس أهل البيت فهي السبيل لإعادة الحياة للقلوب، وزيادة الوعي، وحل المشاكل التي تعاني منها المجتمعات.
مع ضرورة البحث والتدقيق في المعلومات التي تُقدم في هذه المجالس، ولتكن هذه المجالس ذات رسالة علمية وذات عمق علمي وتربوي.
مع التأكيد على ضرورة إقامة هذه المجالس الولائية التربوية مهما عصفت واشتدت الأزمات، بالطريقة والوسيلة المناسبة لإقامتها.
قال الإمام الرضا : من استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزء بنفسه [3] .
الاستغفار ليس مجرد كلمة يرددها اللسان، بل هي منهج إصلاح، وهو اعلان للبدء في حياة جديدة خالية من الذنوب والموبقات.
الاستغفار الحقيقي هو برنامج عملي يبدأ بعقد العزم في ترك وهجر المعاصي، صناعة برنامج عبادي، اجتماعي يعيد فيه الإنسان الحقوق لأهلها، بدءاً من حقوق الله تعالى.
الاستغفار الذي لا يتبعه ندم ويتبعه برنامج عملي هو استغفار الكاذبين، والمستهزئين بأنفسهم، والذين يخدعون أنفسهم.
عندما يتحرك لسانك بالاستغفار فليتبعه عزم وقوة إرادة بالبدء في مسح تلك الذنوب من قلبك وعقلك، ولتكن تلك الكلمة بمثابة المادة المطهرة لقلبك من البقع السوداء وتلك الشوائب التي تسلبك الراحة المعنوية.
قال الإمام الرضا : في قول الله تعالى: ﴿فاصفح الصفح الجميل﴾قال: عفو بغير عتاب [4] .
التعامل الراقي مع من أساء إليك وهو أن تعفو عنه وتتجاوز اساءته فلا تعاقبه عليها. ولكن هناك تعاملاً أكثر رقيًا وهو أن تصفح عنه أي أن تنس اساءته كليًا وتعفو عنه ولا تعاتبه إطلاقاً.
قال الإمام الرضا : «التودد إلى الناس نصف العقل» [5] .
قالوا في اللغة أن التَّودُّد من الوُدِّ، والوُدُّ: مصدر الموَدَّة: الوُدُّ: الحُبُّ يكون في جميع مداخل الخير.
ولذا ففي كلمة الإمام الرضا دعوة لأن يكون المؤمن محبًا للخير لجميع الناس. وهذا من شأنه أن يكون ذو علاقات طيبة بين الناس، مقتربًا منهم ومتفهمًا لأوضاعهم.
ولعل في هذا الحديث دعوة للذكاء الاجتماعي وذلك من خلال معاشرة الناس بالجميل وبالمودة والمحبة مع حسن التصرف واستخدام الأسلوب اللبق وجميع هذه الصفات ناتجة عن العقل الراجح.
الإمام الرضا : إن الله يبغض القيل والقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال [6] .
من العادات السيئة المنتشرة بين الناس هي عادة نقل الكلام من جماعة لأخرى، ونقل الأخبار من مجلس لآخر ولا يكتفي البعض بالنقل بل «يرش» عليها بعض البهارات لتكون أكثر جاذبية!!
وفي وقتنا الراهن تشكل وسائل التواصل الاجتماعي مجلسًا يتناقل فيه تلك الأخبار الكاذبة، وربما بعضها يؤدي إلى قطع أرزاق مؤسسة ما، وبعضها ربما يحرم أسرة ما من مكانة اجتماعية أو حدث اجتماعي وهكذا... هل تنفع الإجابة في يوم القيامة: ﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾ المدثر/42