قيد مشيئة الله
قد نخطط لأشياء كثيرة لكن الله وحده من يقررها لنا.. هو وحده من نسلم له بمقاليد الأمور سواء برغبة منا أم باكراه، فلا انتصار لنا على أنفسنا إلا بحوله ومشيئته، انت تريد وأنا اُريد والله يفعل مايريد.
وهكذا أمور كثيرة تحصل في حياتنا نفترض فيها الخير والنوايا الحسنة وننتظرها بفارغ الصبر، نجملها ونبنيها بالأماني كل يوم، فتكبر بشوق التوق، وأمنيات التحقيق داخلنا لنكتشف مع الأيام أنها أسوأ اختياراتنا وأكثرها ضرر لنا، وأننا صرفنا جل طاقتنا في طلبها وكانت وبال لنا ونكبة علينا..
ونخرج من كل محنة معركة نخوضها رغم اهتزازنا ونزفنا، كحصيلة تجربة نتعلم منها كل العمر أمور جديدة علينا، ونتيقن أننا مع هذه الحياة وفي ظروف الدهشة لازلنا جدد كي نفهمها، وكأننا نخوضها لأول مرة.!
التباينات الشديدة في الناس وتبدل نفسياتهم، المواقف وأصحابها، الشدائد واهتزازات أركانها في حياتنا، الاخلاق ونواقصها عند البعض تكاد تصل للشح والندرة كثيرا، أو اكتمالها وتوافرها بصورة مبهجة رغم القلة عند الباقين بما يجعلنا نطمئن، أن ثمار الخير في عمارة الأرض لا زالت تجنى شهية لعابرين الحياة، ومن يطلبون السكينة فيها والستر. أمور تحمل أكثر من ظنون الخيبة أو رجاء التحقيق وهموم طلبها لتتم.
لا احد يهاب ظله فعلا، لكنه يجفل أحيانا من ملاحقته له في صخب الحياة وضجيجها، لذا نحن في عجالة دوما في الحياة من أمرنا ونظل متعجلين وفي حال استباق دائم معها، نركض فيها كفرائس تهرب من مخاوفها، نحاول محاربة صمت الفراغ كي ننجو من غرق قاتل قد يدركنا. ونحاول رسم عناوين ثابتة للشجاعة، التي لا تعني أنك لست خائفا أبدا، بل معناها أن تكون خائفا، خائفا للغاية، لكنك تفعل الصواب رغم كل الخوف الذي يلاحقك ويكاد يشل حركتك، كأن تفعل ما يقتضيه حسك وضميرك، وما يمليه عليك عقلك ويقينك.
فبعض القبول إيمان لمن أُلهِم قلبه هذا الإيمان والتسليم، خاصة مع إعمال العقل، ولهذا علينا بذل محاولات جادة ومستمرة وحثيثة، لكن إن لم نجد لنا نافذة خروج فعلينا القبول والرضا حتى لا نحرم الأجر، وإلى أن نستعيد عافيتنا وننطلق مجددا، فبالأخير كلنا بلا استثناءات قيد مشيئة الله وتحت رحمته وبرعاية لطفه بنا.
وعلى الرغم من قسوة الجراح التي نعيشها، في حياتنا غير أنه، تشدني دوما الطريقة التي يلتئم بها جرح الانسان كلما مر عليه وجع نازف، أو تعرض له عارض آذاه وحول مساره في الحياة، وهزه بعنف فأربك كل نظرياته التي آمن بها، فبدا كمن يعيش حالة إلحاح على التعايش ويتحول حزنه بمرور الوقت إلى صمت يشبه التأمل العبادي، فهو بطبيعة الحال لا يشبه الرضا بما حصل معه، وكذلك لا يشبه الجزع والتذمر، لكونه سُربل باليقين وغلفته نواياه الحسنة، وإنما يشابه كثيرا ما يطمئن به قلبه من قول الله: ﴿لا تخف إن الله معنا﴾، فالله مع الذين أخلصوا نواياهم لله، ولم يروموا في الحياة إيذاء أو إيلام لأحد، تجردوا من كل شيء، متحسسين أن يجرحوا الناس أو أن يلحقوا الضرر بنفوسهم، وسلموا مقاليد أمورهم كلها لله، فأودعوها عند من لا تضيع عنده الوادئع، ولا يتجاوز عنده ضرر نفسي أو قلبي معاً، لأنه وحده القادر على رد الحقوق لهم والاقتصاص لهم ممن آذوهم..