«...» ليست مبرراً للسخرية
ينقل أحد الأصدقاء قائلا كنت جالسا في مجلس أحد الوجهاء ممن لهم مكانة واحترام في المجتمع فإذا برجل تبدو عليه علامات الصلاح والإيمان عند مدخل المجلس. فاستقبله صاحب المجلس بكلمات ساخرة بصوت منخفض خلقت جوا من الفرفشة والمرح، وابتسم من ابتسم وضحك من ضحك من ضيوفه بهدوء مجاملة وتزلفا له. وما أن اقترب الرجل منه استقبله بالحفاوة والترحيب.
يقول لقد اهتزت صورة الوجيه في نظري وسقط من عيني وجعلني هذا المشهد أغير نظرتي نحوه، وأتساءل هل تسمح له وجاهته ومكانته للسخرية من الآخرين وغيبتهم؟ ويظهر أمام المجتمع ويحظى بالاحترام والتقدير؟
مشهد قد يتكرر في الكثير من المجالس سواء من الوجهاء أو غيرهم ويعتبره البعض من باب المزاح والتسلية وهو واقعا يحرق الحسنات من حيث لا يشعر المرء مقابل دقائق من المرح والتسلية.
مهما تكن مكانة الشخص ووجاهته ومنصبه وثروته فلا يخوله ذلك للسخرية من الآخرين والاستهزاء بهم وغيبتهم والانتقاص من شأنهم. فقد يكون ذلك الشخص أعز وأكرم منه عند الله فالمعيار الإلهي واضح بأن المائز الحقيقي بينهم هو التقوى. قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾. [1]
عندما يُنعم الله عليك بوجاهة أو ثروة أو منصب أو علم أو مكانة اجتماعية مرموقة فعليك أن تشكر المنعم على هذه النعم وأن يكون شكرك بالقول والعمل، وأن لا يصيبك الغرور والعجب والتكبر والتعالي على غيرك وتسمح لنفسك بالانتقاص من شأن الآخرين وعدم احترامهم. فمن جعلك في هذا النعيم هو قادر على أن يسلبه منك في طرفة عين وتصبح من الخاسرين.
بعيدا عن التعميم، ولله الحمد يوجد عدد كبير من النماذج المشرفة من الوجهاء والأثرياء وذوي المناصب العليا الذين لم يؤثر عليهم ما وصلوا إليه ولم يتغير معدنهم الأصيل، ويتمتعون بالأخلاق الحسنة ويحترمون الصغير قبل الكبير، وعلى مستوى عال من التواضع والتواصل الفاعل مع مختلف طبقات المجتمع، ولا يسمحوا لأنفسهم بالسخرية والاستهزاء من الآخرين وغيبتهم، وليس من صفاتهم العجب والتكبر والتعالي وبذلك احتلوا مكانة في قلوب الناس. قال أمير المؤمنين : ”إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بطلاقة الوجه وحسن اللقاء، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم.“ [2]
وما أكثر التوجيهات الربانية لتهذيب النفس وتربيتها على المنهج السليم والخلق الحسن والتي لاتغيب عن الكثير ولكن من باب الذكرى لنفسي أولا نكتفي بأربع منها. فإن دعتك نفسك للسخرية تذكر قول الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ﴾[3] . وإن دعتك للغيبة تذكر قوله تعالى: ﴿وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ [4] .
وإن كانت معتادة على التكبر فتذكر قول رسول الله ﷺ في الحديث القدسي: «يقول الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في ناري» [5] . وإن كان لها نصيب من العجب فتذكر قول أمير المؤمنين في كتابه للأشتر لما ولاه مصر: ”إياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.“ [6]