تنازل لسلامتك
لا أحد يقبل أن يكون قد ساهم بقصد أو عن غير قصد بأمرٍ سلبي ومضرّ لذاته أو أهله أو مجتمعه ووطنه، ومن البديهي الدفاع المستميت والرفض المطلق عندما تكون الأخطاء كبيرة ومكلفة كما الحرقة والألم حال فتك الوباء بالأحبة من الأهل والأصدقاء. وفي عالمنا من الأزل وارد أن يكون كل بشر - بأرضه وبيئته وفكره وشكله وحالته - هو وتد يلعب في توازن الكون وكل عناصره، فلا يبدو الحسبان مقتصر على ما يقاس بل على كل ما فيه ابتلاء للبشر.
لاحظ الجميع تنقّل ثقل انتشار الوباء كل فترة بين قارات العالم من آسيا إلى أوروبا ومن ثم الى أمريكا الشمالية وإلى دول أخرى في آسيا وإلى أمريكا الجنوبية، وعلى ذات المسار تعاقب إرتفاع المتعافين بالتوالي، كما لاحظنا التركيز الإعلامي الشامل على الإزدياد في اعداد المصابين وإهمال النتائج المهمة الأخرى مثل أعداد الوفيات والحالات الحرجة، التي قطعاً لم تترك هذه الحالات دون رعاية وعلاج وإهتمام من الكوادر الصحيّة ولكن ما كانت تنقله رسائل التحذير من العدوى - خلال شهري مارس وابريل - كانت مجتزأة.
مما لا شكّ فيه أن الكوادر الصحية - وبدعم المسؤولين - يبذلون أقصى جهودهم من أجل سلامة المواطن والمقيم ويقفون منذ الوهلة الأولى في الصفوف الأمامية ليصدّوا الوباء ويمنعوا إنتشاره رغم محدودية التجاوب والإلتزام التام بالإحترازات الوقائية من البعض، ممّا نجم عند ذلك الزيادة المطردة في أعداد المصابين، حيث منذ بداية انتشار الوباء سجّلت 50 ألف حالة في 74 يوم، وزادت 50 ألف ثانية في 21 يوم و50 ألف ثالثة فقط في 12 يوم.
إنّ وباء كورونا أشغل العالم فالجميع يسمع ويقرأ ويحاور ويفتي عن المرض وانتشاره وطرق الوقاية منه وسبل علاجه الروحاني والعشبي والتنفّسي والمعدني والكيميائي وطرق غريبة أخرى، لدرجة أنا نسمع عن نجاح لقاح واحد على الأقل في العالم كل يوم. كما تتناقل مقاطع اليوتيوب وشاشات التلفاز مشاهد لإحتفالات متعدّدة ضد الوباء وأفراح الخروج من كهوفه المظلمة والإنتصار عليه، مما يجعلنا نتحفّظ على الكثير مما نسمع أو نشاهد لأن العالم في مواجهة الوباء غير متّحد ولا يثق بل يتّهم بعضه بعضا.
ثمة نهج ضروري اللجوء إليه لمواجهة هذه الجائحة بعد ازدياد أعداد المصابين وإرتفاع الحالات الحرجة وعدد الوفيات، وهذا الأمر مرتبط بالفزع والهلع المسيطر في الشارع وما له من تأثير سلبي على الوضع العام واضعاف مناعة الناس وهو مشاركة الأطباء والأخصائيين النفسيين ”والمتدربين“ في بثّ ونشر التفاؤل والطمأنينة بين الناس بشكل موازي مع التوعية الإحترازية الوقائية والحذر. هذا النهج أرى أن يشارك فيه وبقوة القنوات الإعلامية باختيار برامج إيجابية مفيدة جاذبة ومحفّزة للنشئ وكل أفراد المجتمع.
لا جدال أن التعايش مع الوباء وشروره هو فتنة للبشر ولا مفر، والقول أن المجتمعات بعد أربعة أشهر أو أكثر باتت على دراية وفهم لأسراره محلّ خلاف لأن النتائج حتى الآن مضنية وردود الأفعال بشكل عام يبدو لي أنها لم تصل الى المستوى المأمول. نحن نشاهد ان التاجر همّه المكسب فلا نهج تسويقي احترازي متطوّر والأفراد همّهم الخروج والترفيه لأنهم سئموا الإعتكاف في البيوت وغفلوا عن أهمية صحّتهم وسلامتهم والوباء لا يزال بكامل زينته وجبروته يصطاد حتى المثقفين والواعين.
ربنا اكشف عنّا الوباء، أنت القادر.