آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

بطل خلف الكواليس

عبد الله الناصر

بدأ شاباً يبحث عن أبواب المعرفة بتغربه، دوله بعد دوله، حتى تعلم الطب، وأصبح استشاري يخدم أبناء وطنه، واليوم يبدأ رحله تغرب جديده أكثر قسوة وخطورة يتقدم فيها بنبل وتميز وصلابة لمرضى أبتعدالناس عن قربهم وخاف البعض حتى المرور بالقرى التي يعيشون بها.

يتخرج المئات سنوياً تحت مسمى طبيب، لكن هناك قلة منهم عملهم لا يشبه عمل الآخرين، وهو من هذه القلة الذي أتخذ قرارات شجاعة بحياته حولته إلى بَطَلٍ في قريته والبطولة ليست بالأمر السهل لابد من تضحية ما، وهو قدم صحة الآخرين بكل محبة وقناعه أمام سلامته وحياته وعائلته.

محمد «أبو مهدي» من الأسماء التي لن تنسى بالغد، طبيب مجتهد يمارس وظيفته كل صباح بكل إخلاص بين مرضى المستشفى مع زملائه من الكادر الصحي الذي ينتهي دوامهم منتصف النهار. إلا هو يبدأ دوامه الثاني حينها ويستمر إلى منتصف الليل يعارك فيه مع أبناء قريته فإيروس خبيث استوطن أجسادهم ويتربص لعدوى الناس بشكل مخيف ولا ينال به راتب إضافي ولا شهادة امتياز تضاف إلى شهاداته.

صوت هاتفه يرن، الجوال لا يتوقف، يتصفح الأخبار المستحدثة لكل الحالات الجديدة بمرضى الكرونا في قريته. يضع خطه ليومه محاولاً مساعدة أكبر عدد ممكن.

يلبس كمامة، يضع معقماته، ويحمل شنطه معداته الطبية. يسير في الأوجام طارق أبواب مرضى الكرونا بمنازلهم. يدخل قوَيَا الى أناس ضاق بهم الحجر بين جدران رفهم وأمزجتهم من أسوء أنواع الاحباط والاستياء، في حلقهم غصه الوحده والوجع والخوف من المجهول والموت.

ببسمه جميلة وكلمات الطمأنينه والرعايه الصحيه يرفع بها مستوى الأمل على البائسين منهم ويضع في وريدهم أنبوب التغذيه الذي يسكب في دمهم ليرفع مستوى مناعتهم. يرن هاتفه المتحدث مريض أخر يحتاجه، يلملم أدواته مودعاً مرضاه الذين يشعرون بالجلوس معه أنه اخ انجبته لهم هذه الازمه، وبعد أنتهاء دوره كمعالج يبدأ دوره الوقائي بنصح أهل البيت بمعنى التباعد الاجتماعي وسبل الحجر الصحي السليم.

في الوقت الذي يعقم أصحاب البيت كل مكان لامسه جسده أثناء تواجده في منزلهم، يكون أبو مهدي سائر نحو معركه أخرى بالقرب من الفايروس من جديد سلاحه الوحيد هو الوقايه والايمان بدوره اتجاه وطنه ومهنته.

بعد عده معارك يتوقف أخيراً عند باب منزله هناك حيث عائلته تنتظره بالداخل بعد غياب. ينزع عن وجهه كمامته ويتنفس بعمق هواء غير مفلتر. عاد الى منزله يقدم التحيه على عائلته عن بعد يتجه الى غرفته المعزوله، يستحم بعد يوم طويل، يأكل منعزلا بأدواته الخاصه، كم من الشهور مرت بعزلته بعيد عن لقاء أحبته؟ يقاطع تفكيره هذا صوت منبه رسالة في الوتس أب في جواله مفادها حاجته منطقته لوجوده بحمله تطوعية جديده لخدمة تنظيف وتعقيم مرافق منطقتة.

تمدد على سريره منهي يومه بأتصال الى عائلتة يرسل لهم قبلاته ومحبته ويأخذ سويعات من النوم لا تكفي حتى راحه جسده ليسمع صوت أذان الصباح، يستقبل القبله ويدعي الله ليوفقه بيوم جديد يستعد فيه لعمله وللعطاء فية بالقدر الذي يساهم فيه على أزاحه هذا البلاء عنا.

لم يختر «ابو مهدي» الجلوس ببيته بل قرر ان يكون واحد من ابطال الدفاع الاول لمواجهه هذا المرض،

وحدهم اليوم هم في الجانب الاخر من هذه المعركه معرضين حياتهم للخطر للقضاء على هذا المرض لنرجع للعيش بأمان كما كنا.

العلاقات الانسانيه عندما تجتمع مع الجواب الاخلاقي والاتجاه المهني تخلق هذا النوع من الابطال لا يخافون السير بالطرق الصعبه قوة العطاء لديهم اكبر من قوة الخوف من المرض.

وأستشعارهم بشفاء المرضى أكبر حافز لهم للاستمرايه وتلك الدعوات الصادقه التي ترافقهم أكبر جزاء وسعادة لهم.

هو لم يولد قوي، هو قرر القوة بأرادته أن يكون أقرب ما يمكن من الفايروس وابعد ما يمكن عن عائلته، قد يجهل الكثيرون أدواره لان سعيه للخير خفي كانت الصدف من أوضحت لي بطولته، وأقل الامتنان له منا ذكره.

لك ولعائلتك كل التقدير والأمتنان لما تتعايشون به من أجلنا، والشكر الحقيقي منا لا يتمثل بكلمات تكتب بل بسلوك عملي بمساعدتك بأتخاذ أساليب التباعد الاجتماعي ولبس الكمام والالتزام بقوانين الدوله لنقضي جميعا بتكاتفنا على البلاء وترجع لبيتك تحتضن أطفالك قريباً بكل أمان.

قال تعالى ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، والله خير المجزي والمعطي للأعمال ما خفي منها وما أعلن، الحب والعطاء داخلك عظيم ليجزيك الله به توفيق وليحميك الله ويثبت هذا العلم لديك لخدمه الناس في طريق الله وامره.