الصفحة... مشوشة
كثيرًا من الصفحات مشوشة لا تستطيع قراءة محتواها بسبب الغموض الذي أراد الكاتب أن يُصبغه على محتوى تلك الصفحات، التورية في كثيرٍ من الأحيان تُحمل القارئ عبءً وتصرفه عن متابعة القراءة، لأنه لم يتوصل إلى الفكرة التي أراد الكاتب أن يبرزها ويبسط من خلالها الرؤى والأهداف، لكونها ترمي إلى معنيين مختلفين، أو قد يكون التكلف المبالغ فيه في صياغة الفكرة بحيث لا يمكنها الوصول إلى مدارك الكثير، ممن كان مسلكهم الوضوح في ابراز محتوى أفكارهم، فهناك مفترق طرق وقد لا تجتمع السلوكيات والنظرة للأشياء، وإذا حدث التقاء صار هناك تصادمًا فكريًا، فيسعى كل طرف لإثبات صحة منطقه.
القناعات مختلفة، فالبعض يجعلها في قالب معلب لا يمكن المساس به، من الأفضل الحذر لأنها تمثل مبدأ لا مرونة فيه،وخطًا احمرًا لا يمكن أن تتجاوزه، تقليديون في تطرح الأفكار لا يؤمنون بالتغيير مفرداتهم باهته لا تجد من يتذوقها لأن الأفكار جُمدت على وتيرة واحدة وهذا يطغي على الصفحة الركود والملل، فدائرة التفكير، تفتقر إلى العصف الذهني، فالتجديد مرفوض.
أما التلون في الصور فهي سمة يتبعها عشاق التشبيه والصور الجميلة، لا توجد عندهم قناعات ثابتة يخرجون من نطاق المألوف في أحيان كثيرة، يُحملون نصوصهم أكثر مما تستحق، وهذا بدوره يضعف الحجة في اطروحاتهم، فكثرة الصور الجمالية المبالغ فيها تجعل النص ركيك ضعيف البناء يفتقد إلى البناء المنطقي، فالمصداقية هنا لا محل لها. وإنما استراتيجية خيالية، كمن فتح نافذة شوفته على حديقة غناء مليئة بمختلف الأزهار، لكن لا يملك سوى النظر ليغذي خياله، اقلب الصفحة ستجد عفوية، مفردات سهلة بلغة عامية، لا تعرف شيء من فنون التلوين اللغوي، لكنها قادرة على ايصال بعض الأفكار ولو بالشكل اليسر، فهي لم ترتقي إلى مستوى الثقافة المعرفية ولا تمتلك أدوات كتابية تجعل من الطرح قوي وثابت، لكن تبقي الشفافية تميزها.
الصفحات الأكثر إشراقًا مزيجًا متناغمًا بين الحبكة اللغوية والنسيج المتين لمفردات أُحسن استخدامها بالشكل الصحيح، مما أدى إلى التوازن في الطرح، فالتوظيف الجيد للمفردة يخدم في ايصال الهدف للمتلقي، إلى جانب الذكاء المنطقي، والثقافة المعرفية.
مفرداتنا الثقافية ولغوياتنا تحاكي اسلو بنا في الحياة، وكيف يسطر كلاً منا صفحات حياته وسلوكياته فكلاً حسب تفافته ومخزونه اللغوي، والفكري الذي يحدد محتوى صفحته فالكلمة محورًا أساسيًا في تعاملنا مع من حولنا، فأصل الصفحة كلمة، الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تُؤتي أكلها كُلُ حين.