جدي... عمرًا مديدًا في طاعة الله
كنت عائدًا من العمل مبكرًا... سمعت صوت جدي يصرخ... يصرخ بصوت عال... لحظات حتى جاءت والدتي لتخبرني أن جدي يصرخ من ألم شديد... وعليك ان تأخذه للمستشفى... قلت لها: اصلي وأذهب معه.
لم يتوقف جدي عن الصراخ... انتهيت من الصلاة... وأخذته إلى طوارئ مستشفى القطيف العام «الشويكة»... المشوار كان قصيرًا ولكني كنت قلقًا جدًا... الصراخ لم يكن عاديًا... طلبت منه الهدوء... وصلت الطوارئ.
تمدد على السرير... فحص عليه الطبيب... تغيرت ألوان الطبيب... وطلب أن يعمل له تخطيط قلب سريعًا... وتم وضع عدة أقطاب كهربائية «أجهزة استشعار صغيرة تلتصق بالجلد» على ذراعي وساقي وصدر المريض... وتم توصيل الأقطاب الكهربائية بواسطة أسلاك بجهاز كمبيوتر ليسجل ويراقبة النشاط الكهربائي لقلب المريض.
بدا واضحًا أن هناك خللا في نبضات القلب... فهي بطيئة جدًا... وهذا يدعو للقلق... في أقل من دقيقة... توقفت نبضات القلب... توقف القلب.
كان الطبيب ماهرًا واتخذ الإجراء الفوري في مثل هذه الحالة وهو إنعاش القلب بالصدمات الكهربائية
في هذه اللحظة نظرت إلى جدي وجدته «ميتًا».
نظر إليّ أحد العاملين نظرة الحزين... سألني... هل هو أبوك... قلت بصوت مختنق بالعبرة نعم هو جدي...
عملوا له الصدمات الكهربائية... وبدأت نبضات القلب في التحسن... تحسن... أشرق وجه الطبيب... كتب التقرير سريعًا وقال... عاجل إلى مستشفى القطيف المركزي.
توجه إليّ الطبيب وقال اذهب معهم... لا أخفي عليك قد تعود له الحالة وربما هو في سيارة الإسعاف... ثم خاطب المسعفين قائلاً... راقبوا وضعه جيدًا... وصلنا مستشفى القطيف المركزي... والوضع الصحي لا بأس به... أدخلوه عناية القلب بالطوارئ لزيادة الفحوصات والاطمئنان أكثر... ثم تقرر تنويمه بالمستشفى... مكث عدة أيام وتحسنت حالته كثيرًا.
بعد أيام... قلت لأمي لقد كُتب عمرًا جديدًا لجدي... كانت هذه الحادثة قبل عشرين سنة بالتحديد... اليوم توفي جدي وقد بلغ من العمر 97 سنة رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جناته.
دعني أخبركم عن بعض الأعمال التي كان جدي يمارسها وكان لها دورٌ في إطالة العمر، وممارسته لهذه الأعمال نابعٌ عن فطرته السليمة وحبه لهذه الأعمال:
عن أبي جعفر قال: مُروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن علي ، فإن إتيانه يزيد الرزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مدافع السوء،... [1]
سألت خالي كم مرة قام جدي بزيارة الإمام الحسين ؟
أجابني: أكثر من سبع مرات... مع الظروف الصعبة، إلا أن الجد رحمه الله كان يحب زيارة الحسين ... ولهذه الزيارة آثارها في الصحة وطولة العمر.
كما كانت له علاقة وطيدة مع السيدة زينب فزيارته لمقامها تعدت العشرات، وكذلك زيارة الرسول الأكرم وأهل البيت . وكان له حضوره في مجالس أهل البيت ومساهمًا في إحياء أمرهم.
قال رسول الله ﷺ: صلة الرحم تزيد في العمر، وتنفي الفقر. وقال الإمام علي - لنوف: يا نوف صل رحمك يزيد الله في عمرك [2] .
لقد تميز جدي رحمه الله بهذه الصفة «صلة الرحم» فقد كان له برنامجًا يوميًا للزيارة... في وقت محدد يحضر لزيارتنا وبقية خالاتي... لم يتخلف عن هذه العادة حتى أعاقه المرض في السنوات الأخيرة.
ومن الذكريات أيضًا أنني كنت في زيارة للسيدة زينب في إحدى السنوات وتزامن وجوده في نفس الفترة فكان يزورنا يوميًا بنفس الموعد الذي اعتاد عليه في القطيف.
برحيل جدي نفتقد البركة... نفتقد تلك الفطرة السليمة... لذلك علينا أن نحترم ونوقر ونقدر ونعطي قيمة عظمى لهذه الفئة فهي بركة.
قال رسول الله ﷺ: إن البركة في أكابرنا فمن لم يرحم صغيرنا ويجل كبيرنا فليس منا. [3]
في الختام أتقدم بالشكر الجزيل لكل من تقدم بالتعزية والمواساة.