أفكارنا وجودة الحياة
النقد السلبي لم يكن في أيّ وقت من الأوقات حافزًا يقود الناس الى أن يغيّروا من سُلوكياتهم أملًا في أن يحققوا لأنفسهم والآخرين حياة أفضل. النقد الهدّام، هو النقد الغير هادف والذي عادة ما يثير الغضب ويؤجج الصراعات، ويُوَلّد أفكارًا وتصورات هي أبْعَد مِن أن تقربنا إلى واقع جودة الحياة في شيء. أفكارنا في العموم، سواء كانت على شكل نقد ذاتي أو نصائح إرشادية موجهة للآخرين، هي حالة من العصف الذهني التي تجمع بين المدح والذم والتي لها موقعها المؤثر في الحياة سلبا كان أو إيجابًا. السؤال كيف تؤثر هذه الأفكار على جودة حياتنا وحياة الآخرين من حولنا؟
تلك الأصوات النشاز التي تَصل إلى أُذُنيك بين الحين والآخر وتُشْعِرُكَ بخيبة الأمل، ما هي إلا أمُورٌ طبيعية عَكَفَ على تداولها العامة من أفراد المجتمع، وتحولت إلى عادة يمارسونها كغيرها من العادات. من الخطأ أن تَأخُذَ بما يَعتقده هؤلاء عَنك، أو أن تفترض أن ما يقولونه يُؤخَذُ على مَحمل الصحة، بما لا يُمْكن نقضه والسَيْرَ قُدُمًا دُوْنَه.
لا تعطي الفرصة لتلك الفوضى العاطفية أن تُبْعدك أو تُلْهيك عن مَسَارك الصحيح. إذا ما أردت اكتشاف ذاتك الحقيقية وجوهرها، عليك أن تَغُضّ الطرف عما يعتقده الآخرون تجاهك، وتَعُوْدَ الى الأشياء التي هي في صميم اهتماماتك لحاضر الأيام والقادم منها.
جميعنا نَعِيْ أن تراكم الضغوطات الحياتية، يَخلق أجْوَاءً ضبابية وآفاقًا ضيقة من الرؤى المشوّشة، لكننا في نفس الوقت نعلم أننا لم نُوجَد في هذا الكون لِنُثْقل أنفسنا بما تَعُجُ به عقول الآخرين من فوضى. من هذا المنطلق علينا أن نتصدى لمسؤولياتنا، وأخذ زمام المبادرة تجاه جميع ما يخصنا، والابتعاد ما أمكن عن مُحَاولاتنا اليائسة لإرْضَاء الآخرين.
المُخَيّب للآمال، أن الكثير من الناس قد أضَاعوا قبلتهم، ولم يَعودوا يُدركوا ما يُريدونه من حياتهم أو علاقاتهم مع الآخرين. الأسوأ من ذلك أن الكثيرَ بَاتوا لا يعرفون جوهر دورهم الوجودي ولا أولوياتهم.. وكَأن كوفيد-19 أخذ مأخذه من عُقولهم!
كلٌ له قيسٌ إذا جنَّ الدُجى
نزع الإباء وباحَ بالبرحاءِ
فإذا تداركه النهارُ طوى المدامع
في الفؤاد وظنّ في السَعداء
لا تعلمُ الدنيا بما في قلبه
من لَوْعةٍ ومرارةٍ وشَقاءِ
كلٌ له ”ليلى“ ومن لَم يَلقها
فحياته عَبَثٌ ومَحْض هَباءِ
كلٌ له ”ليلى“ يرى في حُبها
سِرّ الدُّنى وحقيقة الأشياء
ويرى الأماني في سَعير غَرامها
ويرى السَعادةَ في أتمِ شقاءِ
*الشاعر ابراهيم ناجي
شَتَّان بين أن تكون إنسانًا حَليمًا مع ذاتك، أو أن تكون صَلفا ثقيلا، تضيف المزيد من المعاناة والضغط بلا حدود. هناك فرقًا شاسعًا بين أن يتركز حديثك الداخلي على دلالة من أنت وهدفك في هذه الحياة، أو أن يكون حديثك خليطا من التوقعات، وتشكيلة من الأفكار المتباينة التي يتناولها الآخرون دون أن يكون لديهم رؤية واضحة للحاضر، أو إبْصَارٌ بما سَيَؤول إليه المستقبل.
عظمة الحياة وجودتها مرتبطة بقبولك لأفكارك ورضاك وتقديرك لنفسك في بُعْده المَعْرفي والإنساني، وتأثُرك بحالتك العاطفية، وتخليك عن التخمينات والتكهنات التي يَجْترئها الناس حَديثا مُمِلًا صُبحًا ومساءً. استرجاع ما أمكن من قدراتك على التفكير، وبالخصوص، التفكير الإيجابي، بعيدًا عن المؤثرات الخارجية، والوساوس المدمّرة، يعطيك مساحة أكبر للتفرغ للأشياء الأكثر أهمية، والتي لها دورًا محوريًا في تأمين حياة نموذجية تزخر بالإبداعات ويَسُودها الحب والوئام، وتَتّسم بالكرامة ونكهة الجَوْدَة.