النجاح الإنساني أن تصنع حياتك صح
كل إنسان في هذه الحياة قادر إلى حد ما. إن يصنع حياته فقيرة أو غنية، خصبة أو مجدبة، سعيدة أو شقية، باسمة أو عابسة.
نعم إن للوراثة والبيئة دخلاً في تحديد حياته، فهو إلى حد كبيرة ذكي أو غبي بالوراثة، قوي الأعصاب أو ضعيفها بالوراثة،
وهو ناشئ في وسط بيئة فقيرة أو غنية، معتادٌ عاداتٍ حسنةً أو سيئةً وهكذا..
ولكنَّ إرادةَ الإنسان، وعزمه، وهمته، وتربيته نفسها قادرةٌ قدرةً كبيرةً على التغلب على عقبات الوراثة، والبيئة مهما كانت صعوبتها.
نعم إنَّك لا تقدر أن تكون في الذكاء قوةَ مَائِة إذا خلقت وذكاؤك قوة عشرين، ولكنك قادر أن تستعمل ذكاءك المحدود خير استعمال حتى يفيد فائدة أكثر ممن ذكاؤه مائة إذا أهمل.
كمصباح الكهرباء إذا نُظِّف وكانت قوته عشرين شمعة كان خيراً من مصباح قوته خمسون إذا تراكمت عليه الأتربة، وأهمل شأنه،
نعم إنك لا تستطيع أن تساير أبناء الأغنياء في حياتهم المادية، ولكنك تستطيع أن تعيش عيشة نظيفة، وصحية أفضل منهم وهذا يعتمد على الذوق والذكاء النظيف.
حتى تفوق الغني في مظهره البراق إذا لم يسر على قوانين العقل، والصحة، وهكذا.
إذاً فالوراثة والبيئة لا تعوقان الإنسان عن إسعاد حياته إذا منح الهمة، وقوة الإرادة، والتفكير الصحيح.
ومجال القول في ذلك فسيح، ولكني أقتصر هنا على بعض هذه المبادئ.
نصيحة لك أَلَا تيأس، وأن تتوقع الخير في مستقبلك، ولا تقطب وجهك زاعماً أن الخير مَنَحَهُ غيرُك، وليس لك منه نصيب، ووسع أفقك، وأعتقد أن العناية الإلهية لن تحرمك الخير في مستقبلك.
فاعتقادك أن لا مستقبل لك، ولا أمل في حياتك، وأن لا خير ينتظرك سمٌّ قاتل يحطم قدرات الإنسان حتى يميته.
وعلى العكس من ذلك توقعه الخير، وأمله في الحياة يوسع أفقه، ويحمله على أن يوسع معارفه في الحياة، وعلي الجد فيما اختاره لنفسه من صنوف العيش، وعلي استعمال المادة التي في يده خير استعمال.
لا تتعلل بأنك لست نابغة، ولا أن الظروف لا تواتيك ونحو ذلك، فالعالم لا يحتاج إلى النوابغ وحدهم، والنجاح ليس مقصوراً عليهم، إليك مثالاً لذلك.
بذرة الجوافة ليس من حقها أن تطمح في أن تكون شجرة مانجو أو شجرة تفاح، ولكن ما ضرها أن تكون شجرة جوافة حلوة لذيذة.
والحياة تتطلب الجوافة كما تتطلب المانجو والتفاح وغيرها. ولا نجاح بلا مشقة.
إن كثيراً من الشباب يعتقدون أن هناك من مُنِحُوا قدرة على التفوق من غير جهد، وعلي الإتيان بالعجائب من غير مشقة، وعلي قلب التراب ذهباً بعصا سحرية، ولكن كل هذه أفكار عائقة عن العمل، وعن النجاح.
كل من ساروا في طريق العمل بدءوا حياتهم بنوع من الغموض، والشك، والظلام،
ولكن من نجح منهم إنما نجح، لأنه بعد أن بدأ حياته أحسَّ أنَّ في يده مِصْبَاحٌ من نفسه يضيء له الطريق، ويستحثه على السير، وكلما تقدم إلى الأمام خطوة استحثه عزمه وعلي متابعة الخطى في غير خوف، ولا ملل.
ومتى أراه مصباحه أنه سائر على هدى، وعلي صراط مستقيم لم يتشكك في سيره، ولم يتعجل النجاح، واستمر في طريقه حتى يبلغ الغاية.
وخير وسيلة للنجاح في الحياة أن يكون للشاب مثل أعلى عظيم يطمح إليه، وينشده، ويضعه دائماً نصب عينيه، ويسعى دائماً في الوصول إليه:
إن يكون عالماً عظيماً، أو تاجراً عظيماً، أو صانعاً عظيماً.
ونحن نشاهد في حياتنا العادية أن من عزم أن يسير ميلاً واحداً أحسَّ التعب عند الفراغ منه، ولكن من عزم أن يسير خمسة أميال قطع ميلاً، أو ميلين وثلاثة من غير تعب، لأن غرضه أوسع، وهمته المدخرة أكبر.
إن نشاهد أن كل من رسم لنفسه هَدَفٌ يسعى إليه، وأخلص له، واستوحاه، واجتهد في الوصول إليه نجح في حياته، ولو لم يدرك اَلْغَايَة كُلّهَا أدرك جانباً عظيماً منها.
أكبر أسباب فشلنا أننا نخلق لأنفسنا أعذاراً، وأوهاماً، وعوائقَ، حتى تُكَون لنا سَدَّا كبيراً كسدِّ الصين.
حجارتُه أحياناً سوءُ الظنّ، وأحياناً تَخْذُلِي النفس، وأحياناً الشك في النتيجة، وأحياناً الخوفُ من الفشل، وأحياناً الكسل، إلى غير ذلك من أسباب.
ولا تزال هذه الأحجار تتراكم حتى يحجب السور الشمس عن أعيننا، فلا نرى خيراً، ولا نرى غاية ولا يتحقق هدف.
ليس الإنسان إلا بذرة أو نبتة تسعى دائماً للخروج إلى الشمس، والهواء الطلق، وثمرتها إنما تثمر بحظها من هذين، وبذرة الإنسان يقضي عليها بهذه العوائق التي ذكرتها، فلا تثمر.
إن هذا المثل الأعلى الذي يجب أن ينشده الشباب يجب ألا يكون المال وحده ولو من طريق التحايل، والمكر، واستغلال الآخرين لمصلحته، وابتزاز الضعفاء لشخصه.
فتلك وسيلة من الوسائل الحقيرة، والنجاحُ من خلالها نجاح حقيرٍ ورخيص.
إنما النجاح الحق أن يجمع إلى نجاحه في عمله نُبْلَه في خلقه، وصدقَه، وأمانته في نفسه، وعطفه، وتسامحه، وبره بالضعفاء وذوي الحاجة، فلم يخلق الناس حوله، ليكونوا مادة لاستغلاله، إنما خلقوا، ليتبادل معهم المنافع، والخير العام.
إن مما يؤسف له أن نرى الآن موجةً تطغى على الناس أن يقيسوا نجاح الشخص بما حصله من المال، فالموظف مقدار نجاحِه الدرجة التي نالها، والتاجر ما كسب في تجارته من غير سؤال دقيق عن الوسائل التي استخدمها في حصوله على هذه الدرجة، ووصوله إلى هذا الثراء من المال، أبالملق، والخداع، والحيل، وقول الزور، والبهتان، وضياع المبادئ، أم بغير ذلك؟
أم بالتلاعب في التجارة، واستغلال الضعفاء، وانتهاز الفرص، أم بغير ذلك؟
إن كان الأول فليس في الحقيقة نجاحاً، إنما هو نجاح إذا سمينا السارق لا ينضبط بجريمته ناجحاً، فالحصول على المال، والدرجة وحده لا يكفي ما لم نقف طويلاً، ونتساءل عن الوسائل التي استخدمها في الحصول على غرضه، أو وسائل شريفة فذلك النجاح، أو وضيعة فلا نجاح، بل إنَّ الشخص إذا رسم مثله الأعلى في النجاح مع الأخلاق، وسار عليها ثم لم يصل إلى غايته، ولم يدرِك بغيته، خيرًاًّ ألف مرةٍ للمجتمع ممن جعل كل فرصه المال مهما تخطى في سبيل ذلك رقاب الناس.
ليس الإنسان حيواناً آكلاً شارباً فحسب حتى يقدَّرَ نجاحه بمقدار ما يحصل من مال يأكل به أفخم الأكل، ويشرب به أعذب الشراب، إنما الإنسان فوق ذلك إنسان يستمتع بحب الخير، وإدراك جمال الدنيا، وجمال الأفعال، ويشعر بالسمو.
إن الغِنَى إذا طُلب يجب أن يطلب بجانبه غنى النفس، وتسليحها بحب الخير، والعمل للخير وما قيمة أموال تُكَدس، وذهب، وأوراق مالية تجمع، إذا صحبها فقير النفس؟
إن غنى النفس في حب التسامي، وحب الخير الرحمة، وحب تقديم الخير، والأخذ بيد الضعيف وذوي الحاجة، هذا هو اَلْغِنَى الدائم، أما غنى المال فغنى زائل.
لست أريد أن أحبط الشباب عن الرغبة في النجاح المادي من رغبة في وظيفة راقية، أو تجارة ناجحة، أو عمل يُدِر الربح، فذلك مطلب مشروع، ويجب أن يكون، وأن نحارب الزاهدة في الحياة، والرضا بالدون من العيش، والميل إلى الكسل، والخمول، والارتكان على الحظ والقدر.
إنما الذي نريد أن نقوله: إن ذلك لا يكفي ما لم يُدْعَم بالخلق، ولا يصح مطلقاً أن تطغى الرغبة في الخلق، والسمو النفسي، ومحاسبة النفس على الوسائل التي نُحَصِّل بها المال.
ومن أهم الأمور في تكوين حياتك وصنعها ثقتك بنفسك، واعتقادك فيها أنها صالحة للحياة قابلة للنجاح، ولا أضر على الإنسان من احتقاره نَفسه واعتقادِه عجزه.
وبعضُ الناس مصابون بهذا المرض، يعتقدون في أنفسهم أنهم لا شيء، وأن لا قيمة لهم، وأن لا أمل في نجاحهم، إما لأنهم ولدوا فقراء، وإما لأنهم ليسوا من العوائل الكبيرة.
وهذا أكبر خطأ يرتكبونه نحو أنفسهم، ومن المسؤولين عن هذا هما الأسرة والمدرسة، فإنهم يجتهدون أن يحقر الإنسان نفسه ويعتقد أنه لا شيء، مع أنَّ الأمة لا تحيا، ولا تتقدم إِلَّا إذا وثق أفرادها بأنفسهم، والقرآن نفسه بث روح الثقة بالنفس، والاعتزاز بالأمة، فقال الله في محكم آياته:
[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ]آل عمران: 110.
وضَعْف الثقةِ بالنفس يقتل طموحها، ويقتل استقلالها، ويفقدها حياتها.
ومن طبيعة الناس أنهم يحتقرون من احتقر نفسه، ويطؤون بأقدامهم من استذل.
ومن عادتهم أن يحترموا من احترم نفسه، ويثقوا بمن وثق بها، ويعاملوا معاملة الإنسان من تَذَكّر دائماً أنه إنسان.
غاية الأمر أن الإنسان كثيراً ما يخلط بين الثقة بالنفس، واحترامها وبين الكبرِ والغرورِ، الثقةُ بالنفس: اعتقادُك بقدرتك على ما تتحمله من أعباء، وما تلتزمه من واجب ومعرفتك الصحيحة بنفسك، ونواحيها الجيدة.
والكبرُ، والغرور: تعظيمُ نفسك أكثر مما تستحق، والمطالبة بالجزاء من غير عمل، وخداع الناس بالمظاهر الكاذبة من غير أن تكون لك قيمة حقيقية.
ثقتك بنفسك، واحترامك لها من غير كبر وغرور أحسن تأمين على الحياة ضد الوقوف في المواقف الهزيلة، والمتردية.
بعد أن يكون لك مثل أعلى تنشئه، وتعمل للوصول إليه، وبعد الثقة بنفسك، واحترامها اجتهد أن تبتسم للحياة؛ فالابتسام للحياة خير دواء للعقل، وخير علاج لاحتمال المتاعب إن أعيته، والابتسام للحياة يضيئها؛ فإن رأيت عابساً فلا بدَّ أن يكون هناك من أخطأ في تربيته من آبائه، أو مدرسيه، وقد أرتنا التجربة أن الفرحين المستبشرين الباسمين للحياة خير الناس صحة، وأقدرهم على الجد في العمل، وأقربهم إلى النجاح، وأكثرهم استفادة وسعادة مما في يده ولو قليلاً.
ومن أكبر النعم على الإنسان أن يعتاد النظر إلى الجانب المشرق في الحياة لا الجانب المظلم منها؛ إن العمل الشاق العسير يخف حمله بالطبع، والنفس مستبشرة وفرحة.
قيل لرجل هرم في عمره : إنك في ظل السبعين من السنين، قال: لا، ولكني في الجانب المشمس من الحياة.
إن الباسم للحياة يرى الجانب المشمس منها، والمتشائم لا يرى إلا الجانب المظلم بالغيوم السوداء؛ فعود نفسك هذه العادة، وانثر الأزهار باسماً على كل من عاملته، ولا تنظر للحياة من خلال نَظارَةٍ معتمة رؤيتها غير واضحة.
توسيع أفقك، وتحديد مثلك عالياً، وطموحك أن تكون عظيماً،
ثم ثقتك بنفسك، واحترامك لها في غير كبرياء وغرور،
ثم تفاؤلك، وابتسامك، وسرورك هي الخيوط التي يجب أن تنسج منها حياتك، وما أحسنه من نسيج.
إنك إن فعلت كان ذلك خيراً لك ولأهلك ومجتمعك وأمتك، وكان ذلك نجاحاً عظيماً.
ولو تكسب مالاً كثيراً؛ فما قيمة المال إذا لم تكن بجانبه سعادة؟
وما قيمة النجاح إذا لم يكن خلق رفيع؟
وما قيمة الدنيا إذا عبست في وجهها دائماً؟
وأخيرا فالقدر الكافي من المال لسد الحاجات الضرورية وسيلة من وسائل الحياة السعيدة، ولكن الغنى ليس كل شيء في الحياة السعيدة، بل كثيراً ما يكون عائقاً عن السعادة؛ لأسباب بسيطة واضحة كل الوضوح؛ فالمال لا يستطيع أن نشتري به الصحة، ولا الحب، ولا الطمأنينة.
هذه يا عزيزي القارئ هي أسباب الحياة الطيبة الناجحة، وفقدانها أو فقدان واحدة منْها يجعلها حياة تعسة بغيضة مظلمة فاشلة.