عادات قاهرات
هناك عادات ومألوفات، تصل مع مرور الوقت إلى مرتبة الطقوس اليومية، وتشكل نمط حياة الفرد الشخصية. فالإنسان من حيث لا يعلم يتبنى ما اعتاده وألفه، وتتحول إلى ضرورات يصعب تغيير خط سيرها، بدءاً من الاستيقاظ صباحاً، والذهاب إلى العمل، والعودة إلى المنزل، ثم النوم مجدداً. بل قد يتطور الأمر حتى يصبح الأمر أشبه بالفطام، أو كأن الأمر موت أو حياة. وحين يتوقف الإنسان عن ممارسة مألوفاته واعتقاداته يشعر وكأنه يدخل في المجهول، وتنتابه مشاعر الغربة لافتقاده شيئاً حميمياً وضرورياً مما ألفه وتعود عليه.
ومن العادات ما هو حسن ومحمود، وله تأثيره الإيجابي على نشاط الفرد بشكل حسن، فتنعشه بأوكسجين الحياة، وتوسع مداركه وآفاقه. إلا أن المشكلة عندما يتورط الإنسان ويتعود على عادات ذات حُمولات سلبية، وطِباع سيئة، ومن ثم تتجذر في نفسه، وتهيمن عليه، وتقهر إرادته، حيث يصعب عليه الانفكاك منها مع مضى الزمن، ولا يستطيع التخلص منها بسهولة عندما يريد، أو يقرر ذلك.
وحسبنا في هذا السياق ما روي عن الإمام علي ، بأن العادات قاهرة. فالتخلص من العادات ذات الحمولات السلبية والتخلي عنها يحتاج إلى مجاهدة مستمرة، وإرادة قوية، وعزيمة لا تلين، خصوصاً إذا ما تعدى ضررها، ليس الفرد ذاته فقط، وإنما أيضاً المحيطين به، وأصبحت عقبة تعيق تغيير الذات، وتطويرها، وتحقيق آمالها، وأهدافها، وطموحاتها.
وهكذا نجد البعض يبدأ يومه حين يستيقظ صباحاً بفتح حساباته على مواقع التواصل، وذلك قبل أداء الفروض والواجبات. فهو يبدأ نشاطه اليومي المعتاد بفتح أجهزته التقنية، وتصفح الرسائل الواردة والرد عليها. حيث أصبح ذلك من العادات المستجدة، والتي أدمن الكثيرون عليها بشكل مبالغ فيه، ولم يعد في مستطاع الواحد منهم التخلي عنها، مهما كانت مردوداتها عليه سلبية ومضرة. فاستخدام وسائط التواصل الاجتماعي، وبرامج المحادثة، والتواصل مع الأصدقاء عبر شبكة الإنترنت، أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية التي يصعب الفكاك منها، وتتسبب في ضياع الأوقات وتشتتها من دون استثمار مجدي، وذلك على حساب أشياء أخرى أكثر أهمية.
وإذا كان هناك من أدمن على عادات سلبية وضارة، أضاعت أوقاته، وسيطرت على مجمل حياته، فإن هناك في الجهة المقابلة من تعود على ممارسة عادات حسنة ومحمودة، وحولها إلى طقوس يومية جميلة وإيجابية ومفيدة، كعدم السهر ليلاً، والاستيقاظ المبكر صباحاً، وأداء الفروض والواجبات في أوقاتها، والأكل الصحي، وممارسة الرياضة اليومية.
فيما هناك آخرون أصبحت القراءة عندهم عادة شخصية تحرص على ممارستها بشكل يومي ومن دون انقطاع، ويلتزمون بها، والتقيد بأوقاتها، حيث تحولت إلى وجبة يومية لا تعوض، وحصة يومية تخصص لها أوقات يصعب عليهم تنازل عنها، وطقس يومي لا يمكن التخلي عنه مهما كانت الظروف. فأصبحت القراءة بالنسبة لهم متعة لا تقارن بغيرها من المتع، ولا يستطيعون تصور حياتهم من دون مطالعة. فهم يقرؤون تحت مختلف الظروف، وفي مختلف الأماكن، ومهما كانت العوائق والمشتتات.
علاوة على ذلك استفاد هؤلاء من التطور المطرد في مجال التقنيات الحديثة للتوسع في مجال القراءة والمعرفة، والتفاعل مع وسائل المعرفة الجديدة، حيث تحولت القراءة عبر الأجهزة التقنية إلى عادة يومية جديدة وإضافية، من خلال المتابعة الجادة والمعمقة لأهم وأحدث الأخبار والموضوعات والقضايا والأبحاث، والتي تنمو بثقافة الفرد ووعيه، بعد أن منحتهم هذه التقنية مساحة أكبر للاطلاع وزيادة معارفهم.
وبين سلبيات وإيجابيات استخدام التقنيات الجديدة والتعامل معها، من الضروري الحرص على مراجعة الذات وكل ما اعتادت عليه واكتسبته من سلوكيات بين الحين والآخر، حتى لا تركن النفس إلى ما ألفته واعتادت عليه، ولأجل كسر أي روتين مضر يخل بجودة الحياة، وحتى لا يقع الإنسان تحت تأثير أي عادة سلبية تكبله عن تغيير ذاته وتطويرها، ومن أجل إحداث التجديد في حياته نحو أفضل. فالتفوق والنجاح والإبداع لا يتأتى إلا بخرق المألوف، والتفتيش عن غير المألوف، والتنقيب عن الغريب وغير المعتاد، بدل البقاء أسير المألوف، أو الجمود على روتين ونمط سلوك له انعكاساته السلبية على الفرد والمحيطين به.
فإذا كانت العادات اليومية تعد طباع تشكل شخصية الفرد، والتعلق بها وممارستها يعطيه شعوراً بالارتياح والمتعة، إلا أنها في المقابل يمكن أن تتحول إلى عبء نفسي حين تغويه عن ممارسة حياته الطبيعية، والقيام بمهامه وواجباته تجاه نفسه والمحيطين به. لذلك من المهم الحرص على كسر الروتين، والتحرر من المألوفات، ومفارقة المعتادات، وتجديد الإيقاع اليومي بين الحين والآخر، والحرص على تعويد النفس دائماً على الأشياء الإيجابية والخيرة، لكي تغدو مع الوقت طقساً روتينياً يومياً حسناً ومحموداً ومفيداً.