آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:55 م

نجوم في سماء سيهات ”قصة نجاح“

مهدي صليل

﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىوَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى

كثيراً ما نسمع ونتداول القصص العالمية في الإنجاز، والتجارب الإيجابية المحفزة على تخطي الصعوبات، ونستشهد بها في أحاديثنا ومقالاتنا، ولو تأملنا ما حولنا من قصص أبناء مجتمعنا، لرأينا الكثير مما يستحق الإشادة والتقدير.

فقد أثبت أبناء وبنات مجتمعنا قدراتهم المميزة، في مختلف المجالات العلمية والعملية، ورفعوا اسم الوطن عالياً في المحافل الدولية، وهو ما يجب أن نشيد به ونثني عليه، ونقدمه لأبناء الجيل الواعد، نموذجاً يحتذى وقدوة حاضرة.

روافد النجاح

النظرة الأولية لكل نجاح ترجعه إلى عامل واحد، فأغلب الناس ينظرون إلى الشخصية الناجحة من خلال زاوية واحدة، ويرونها سبب النجاح، لكن النظرة الفاحصة المتأملة في أبعاد الشخصية، تضع النقاط على الحروف، وتسجل عوامل النجاح المتعددة، لتكون تجربة مستفادة، تتناقلها الأجيال، ويمكن استنساخها.

أمامنا في هذه الحلقة من «نجوم في سماء سيهات» قصة نجاح تستحق القراءة، وأنموذج قدوة لفتياتنا المتطلعات إلى النجاح.

شخصيتنا لهذه الحلقة حققت نجاحاً باهراً على الصعيدين الفردي والاجتماعي، إنها الأستاذة الفاضلة إنعام حبيب السبع.

التربية.. البيئة.. الثقافة

تشكلت تصوراتها ومشاعرها الأولية وهي ترى والدتها رحمها الله تخدم في مجالس الإمام الحسين ، فكان الارتباط بأهل البيت أول درس تتلقاه في هذه الحياة، يليه درس العطاء والسخاء الذي يتردد على مسامعها من والدها رحمه الله حيث كان يكرر عبارات السعي في مساعدة المحتاجين والفقراء، ويسهم في أعمال الخير.

ومن أهم العوامل المؤثرة في صياغة شخصيتها علاقتها المبكرة مع الكتاب والقراءة، والثقافة بشكل عام، فقد بدأ شغفها بالقراءة كما ذكرت في أكثر من مناسبة وهي في المرحلة المتوسطة، حتى أن هديتها المفضلة التي تطلبها وتتمناها هي الكتاب قبل أي شيء آخر.

إن اكتساب الإنسان عادة القراءة يعني أنه دخل بوابة الثقافة، وانفتحت أمامه آفاق التفكير، وبذلك تتغير اهتماماته ويرتفع مستوى الطموح والتطلع لديه.

وهنا أقتبس الكلمة التالية من مشاركة الأستاذة إنعام في أحد المحافل:

نعم قد تغير حياتك فكرة ما.. تطرق ذهنك بقوة فلا تقبل أن تغادر عقلك بسهولة ليحدث معها التغيير وهذا ماحدث معي..

فكرة قرأتها في رواية للأديب المعروف إحسان عبدالقدوس تناقش فكرة الحرية.. فاستهوتني.. كنت حينها في المرحلة الثانوية وكان مفهوم الحرية من أكثر العناوين الجذابة لمن هم في مثل عمري.

فعرفت أن الحرية هي أن يكون لوجودك هدف وأثر ممتد وبصمة في حياة مجتمعك.. حين تنفصل عن المفاهيم المادية والاستغراق في حب الذات، وتنطلق نحو الآخر، حينها تكون حراً فقد تحررت من جميع قيود الأنا.

من ثمار القراءة

آتت القراءة ثمارها مبكراً، ففي المرحلة الثانوية بدأت تكتب بعض المقالات والخواطر القصيرة، وشاركت بها في الصفحة الأدبية لجريدة اليوم، وكان يشرف عليها آنذاك المرحوم الشاعر حسن السبع، وكانت عبارته

«أنت موهبة في طريقها للتشكل» حافزاً ودافعاً معنوياً كبيراً للتوجه نحو الكتابة.

وهكذا تدرج القلم في النمو والتطور، إلى أن التقى بمهارة التدريب فأنتجا كتاباً رائعاً بعنوان «واثق الخطى»، وهو ما سنعرض له في نهاية المقال.

العمل التطوعي

تبحث المؤسسات الخيرية عن الكوادر العاملة المحبة للعطاء، فتجد فئة قليلة في المجتمع ممن تجاوزوا همومهم الذاتية إلى الهم الاجتماعي العام، وهي مهمة تشكو منها أغلب الجمعيات الخيرية.

لكن المهمة الأصعب أن تجد بين العاملين شخصية قيادية، تمتلك مهارات الإدارة، إضافة إلى القدرة على احتضان العاملين والتأثير فيهم، والتفكير بأفق مفتوح، يمكّن من اتخاذ القرار عند الأزمات.

وجود الشخصيات القيادية نادر في كل المجتمعات، ولذا فإن بناء القيادات يعتبر من التخطيط الاستراتيجي المتقدم، الذي يستحق أن يبذل من أجله الجهد والمال.

هذا ما وجدته في الأستاذة إنعام، عندما كنت أشرف على لجنة أنوار القرآن النسائية، فقد كان لالتحاقها باللجنة أثر كبير في تطوير البرامج وانتظامها، وإتقان الإدارة وتوزيع المسؤوليات، ويمكنني القول دون مبالغة إنها نموذج راقٍ في إدارة العمل التطوعي الخيري.

كانت بدايتها في العمل التطوعي مع جمعية سيهات للخدمات الاجتماعية سنة «2004م» في لجنة كافل اليتم، ثم في لجنة البحوث، كما شاركت في مهرجان الوفاء الأول والثاني ومهرجان «شاركونا فرحة العيد» كمسؤولة للجنة الثقافية، و«مهرجان سنابل الخير» الصيفي.

تقول عن هذه المرحلة: طرقت باب التطوع، هذا الباب الواسع، فاتسع قلبي وعقلي للحياة، بدأت العمل في جمعية سيهات للخدمات الاجتماعية وانطلقت بعدها إلى العمل القرآني حيث عملت في لجنة أنوار القرآن بسيهات، واستلمت رئاستها لمدة ست سنوات، ثم انتقلت إلى العمل في الهيئة الإشرافية، كما تشرفت برئاسة القسم النسائي في المجلس القرآني المشترك في القطيف والدمام.

رحلة التطوير

الطموح والسعي لتطوير المهارات لا يقف بالإنسان عند حدود، فكما ورد في الأثر «منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب مال»

هكذا كان طموح الأستاذة إنعام يستحثها ويدفعها نحو التطوير المستمر، حتى حصلت على الشهادة الجامعية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وهي على رأس العمل، ثم واصلت مشوار التدريب، ودخول الدورات التطويرية، فحضرت عشرات الدورات التدريبية، منها:

دورة التقارير وجمع البيانات.

دورة مميزات الفريق المبدع.

ورشة عمل الأداء المتوازن.

دورة العادات السبع للإدارة الناجحة.

تحديد الاحتياجات التدريبية.

القيادة الفعالة.

الإبداع الإداري.

التخطيط الاستراتيجي للعمل الخيري.

إضافة إلى دورات إعداد المدربات، حتى أصبحت مدربة معتمدة من عدة جهات، منها:

معهد هويرازن البحرين.

الأكاديمية البريطانية بلندن.

المركز الكندي الدولي.

كما التحقت بالدراسة الحوزوية، وحققت نتائج باهرة، مما أهلها لتقديم بعض الدروس في الآداب الإسلامية.

وقد تعاونت مع الكثير من المؤسسات الاجتماعية والخيرية في المنطقة منها:

دار الرعاية الاجتماعية بالدمام.

مركز البيت السعيد بصفوى.

جمعية العوامية.

جمعية تاروت الخيرية.

جمعية مضر الخيرية.

مكتب العمل بالقطيف.

جمعية العطاء النسائية الخيرية بالقطيف.

مركز مشاعل الخير بالدمام.

مركز خطوة واعدة للإرشاد الأسري بالقطيف.

مركز لين للتطوير بالدمام.

وحدة الخدمات المساندة بالقطيف.

مركز زهور المستقبل للأطفال ذوي الإعاقة.

اللجنة الثقافية بالحلة لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف.

مركز الخدمة الاجتماعية بالدمام.

مراكز القرآن النسائية في محافظة القطيف.

وقد حضر دوراتها أكثر من «7000» متدربة، من العاملات في اللجان التطوعية والمراكز القرآنية في المنطقة وسيدات المجتمع، منهن «20» مكفوفة في مهارات التواصل والتحفيز الذاتي، كما قامت بتدريب «70» مدربة في دورة تدريب المدربات.

شملت دوراتها مدن الأحساء والرياض والمدينة المنورة والدمام وسيهات وجميع مناطق القطيف.

وهذه نماذج من عناوين الدورات التي قدمتها:

السكرتاريا التنفيذية وإدارة المكاتب

الصداقة لإدارة الجماعة

الإلقاء والعرض الفعال

التحفيز الذاتي

كيف تدير عملك بنجاح

أساليب التدريس الحديثة

المهارات التربوية للتعامل مع المراهقين.

مهارات التفوق الدراسي.

الذكاء الوجداني.

أنماط الشخصية.

ولنشاطها المميز تم اختيارها من قبل «مبادرة ملهمون» كواحدة من الشخصيات المؤثرة في سيهات سنة2018م

وتم تكريمها من قبل منتدى الثلاثاء الثقافي ضمن فعاليات يوم المرأة العالمي للعام 2019م.

صدر لها كتاب «واثق الخطى» سنة 2018م

كما طبع بلغة بريل للمكفوفين بالتعاون مع جمعية مضر الخيرية سنة 2018م

«واثق الخطى» من أجمل الكتب التي قرأتها في التحفيز واستثارة الدافعية ورفع مستوى تقدير الذات، فأسلوبه قادر على جذب القارئ، بما يحويه من قصص ملهمة.

فإلى فتياتنا المتطلعات إلى النجاح والتميز أقدم لكن هذه الشخصية الأنموذج بما قدمت لمجتمعها من عطاء لازال يؤتي ثماره في التدريب والعمل التطوعي.