وحنيني جعل العيد يقين
حين أطل العيد بردائه الذي ازدان بجواهر الفرح وزينته البهجة كان ضيفنا المبارك قد أقفل حقيبته الزمنية بعد أن تصرمت لياليه المحمولة بعبق المناجاة الرمضانية والمنيرة بدعاء البهاء ينثر دموع الندم والإقرار راجياَ المغفرة في فصول دعاء ابي حمزة الثمالي يتلوه دعاء السحر راحلاََ عنا بعد أن نثر لآلئ الخير والبركات في جنبات كل بيت وزوايا كل مكان.
وحل العيد بثوبه الزاهي ناشراَ احساس السعادة متحدياََ مشاعر العزلة التي فرضتها ظروف الحجر المنزلي في كل العالم لكن هذا البلد الأمين الذي اثبت لشعبه ولكل شعوب العالم انه سيتغلب على كل تلك الصعوبات القاهرة والظروف الصحية السيئة التي تسبب بها فيروس كورونا فعطل دورة الحياة الطبيعية وعزل الناس عن بعضهم البعض حين تحولت هذه العزلة لدافع للتميز والإنجاز والابتكار واستثارة دفائن العقول لتكتشف مهارات وكفاءات كانت مخبوءة في فوضى إيقاع الحياة الصاخبة في سائر الايام.
في الحالات الطارئة وفترات الأزمات تتغير مظاهر الحياة اليومية للناس وطرق معيشتهم. وتتعدى التغيرات حتى تمس التوقيت في جميع ممارسات الحياة.. وقد شاهد العالم اجمع في كل مكان كيف أن كائن لا يرى بالعين المجردة قد فرض حصار في جميع المجالات فحرمنا من تلك الطقوس الروحية التي اعتدنا على ممارستها كمداعبة طفل بتقبيله وتبجيل والدينا بقبلة تقدير على جبين لطالما لثمناه في حنان.. حرمنا من الاقتراب جسديا َ بمن نحب وعشنا مشاعر الوحدة بالتباعد الاجتماعي والعزلة النفسية التي كان من نتائجها إثارة التفكير في تطوير الذات والاحساس بالآخرين واحترام ظروفهم واوقاتهم.
ثمة مشاعر لا يمكن أن نستشعرها مالم نكن في نفس المواقف.. ومن تلك المشاعر الاحساس بالوحدة رغم انك في ضجيج من الناس وصخب ممن يقحمون أنفسهم وأصحاب الظل الثقيل.
حين يكون لديك قطعة من روحك غائبة رغم حضورها بقلبك.. بعيدة في ذلك القرب الذي يحولها لطيف ماثلاَ أمام ناظريك في كل حين.. تراه في زوايا البيت الذي غادره.. وتشم أريج حنينه في تلك الوسائد التي يلهو بها في غرفته.. السرير الذي خلا منه والملابس التي لا زالت معلقة في خزانته.. كتبه التي يعشق قراءتها مبعثرة هنا وهناك.. قناني العطر التي بعضها لم تنتصف.. ترك كل ذلك كي تلامس ذكراه شغاف قلب الأم التي تغفو وهي تلهج بالدعاء لكل غريب ان يعود لأحضان وطنه ويسعد أهله بعودته.. تنام بعد نسج أحلامها بصبح قريب يأتي مع الفرج بعد أن ارهقها الارق والسهر تنتظر قطعة النور التي تشرق على الكون بضيائها فتهمس لقلبها ان البعد لا يعني عدم التأثير فكم ان الشمس بعيدة الا انها تنير دنيانا وتبعث الحياة حتى في ظلام الكهوف والقمر يضئ ليلنا الداجي وكأنه ملك يتربع على عرشه الحالك وحوله وصيفات لامعات يتناثرن حوله.
انت كذلك حبيبتي.. انت البعد القريب والقلب الحبيب والنور الذي لا يغيب.. سنلتقي رغم البعد وسأحتضنك بقلبي كما افعل كل يوم ان استمر الحظر الجسدي.
حفظ الله كل فتياتنا المبتعثات واعادهن سلامات متسلحات بشهاداتهن كي يفخرن بخدمة الوطن الذي أعطاهم الكثير ومهما قدمنا له يبقى قطرات في بحر وطن العطاء.
عوداََ حميداً لعيش سعيد لكل قريب وبعيد.
أما أنا فستعود حياتي حين تعود قطعة روحي التي غادرت منزلها وما غادرت قلبي.