هل يمكن معاملة هلال شوال كهلال ذي الحجة؟
أغمضتُ عيني وإلى أكثر من ثلاثة آلاف عامٍ عدتُ إلى الوراء، وبالتحديد هبطتُ في صحراء سيناء وسط بني إسرائيل وهناك شاهدتُ معهم موقفًا خالدًا:
نبيان أحدهما يعاتب الآخر، موسى يعاتب أخاه هارون بعدما عاد من ميقات ربه ليجد بعض قومه يعبدون عجل السامري.
بعدها واصلتُ سفري مع موسى النبي يرافقنا يوشع بن نون وراقبتُ معه كيف اختلف موسى مع الخضر مستفهمًا مستنكرًا في ثلاثة مواقف مشهودة.
وبعد أن افترقا قفزتُ بعض خطواتٍ زمانية تُقدر بخمسةِ قرون، وهذه المرة هبطتُ أرض فلسطين لأحضر محاكمةً بين رجلين أحدهما أكلت غنمه شجر الآخر، الحكمان لم يكونا حكمين عاديين، بل نبيان وصفهما مرسلهما ”وكلا آتينا علما وحكما“، ومع ذلك حكما في الموضوع نفسه بحكمين مختلفين، إنهما داوود وابنه سليمان «عليهما السلام»، وقبل مغادرتي رأيت داوود الأب وقد أقرَّ بحكم ابنه سليمان الذي أيدته السماء بالقول ”ففهمناها سليمان“.
ثلاثة نماذج من نماذج أخرى رصدها لنا القرآن الكريم لأنبياء وعبادٍ صالحين اختلفوا فيما بينهم ليثبت لنا سنة إلهية مودعة في الطبيعة البشرية ”ولا يزالون مختلفين“.
عدتُ من سفري فاتحًا عيني برؤيةٍ مختلفة وأنا أعيد قراءة ماحدث من اختلافٍ في إثبات هلال هذا العيد، فوجدتُ أنْ لا غرابة أن يختلف فقهاء في مبناهم الشرعي في مسألة فرعية - كإثبات الهلال - عبر استنطاقهم النصوص الدينية فهذا ما نسميه الاجتهاد، وإلا كيف نطالب به وفي الوقت نفسه نطالبهم بعدم الاختلاف؟!
الاختلاف ضريبة الاجتهاد، وهي ضريبة ليست بالضرورة سلبية بل كثيرا ما أمدنا الاختلاف بخيارات متعددة توسع على المكلف بدلا من إجباره على خيار واحد.
وبالرغم من تمني الجميع بأن نجتمع دائما في عيدٍ واحدٍ باعتباره من أهم المظاهر الدينية والاجتماعية للمسلمين إلا أنني لا أستطيع مطالبة الفقهاء بأن يتنازلوا عن اجتهادهم لتلك الغاية، ومع ذلك سأضع في نهاية المقال تساؤلا مفتوحا بشأن إمكانية توحيد العيد.
إنني ببساطة لا أخشى الاختلاف ولكني - كما أنتم - أخشى الخلاف، وهذا مالمسناه في الأيام الماضية، والسبب أننا لسنا ماهرين في إدارة خلافاتنا، أما لماذا فذلك شأن آخر ليس حديثه الآن.
إذا كان ليس حديثه الآن فمتى الحديث إذن؟!
نعم هذا وقته، وهنا اسمحوا لي بالقول إن الحزن الذي أصاب الكثيرين ليس بسبب اختلاف مباني الفقهاء بل بسبب اختلاف من تصدى لتطبيق تلك المباني، وهو اختلاف كان بالإمكان ألا يكون بهذا الاتساع.
تعجَّب الناس - مثلا - كيف لوكلاء المرجع نفسه وفي البلد نفسه أن يثبت بعضهم الهلال والبعض الآخر ينفي ثبوته!
ما أراده الناس - ببساطة وعفوية - أن يدار هذا الخلاف باجتماع المتصدين تحت سقف واحد، وهي دعوةٌ أينما قلَّبتها تجدها داعية إلى وحدة الكلمة - ضمن الممكن - دون خدش في نية المتصدين أو التقليل منهم.
أما التساؤل الذي وعدت به نهاية المقال فهو:
هل يمكن للفقهاء أن يعتمدوا مبنى مختلفا في إثبات هلال عيد الفطر بالتحديد بحيث يُضمن فيه توحيد العيد؟
أعلم الآن أن الكثير سيتساءل متعجبا من سؤالي:
كيف يضحي المرجع بمبناه والنتيجة أن مكلفيه ”بتنازله“ ربما يعيِّدون في يوم صيام أو يصومون في يوم عيد؟
وأجيب بأن تساؤلي يجيب عليه هلال ذي الحجة، كيف ذلك؟!
في أكثر السنوات فإن الحجاج الشيعة يتعاملون مع شهر ذي الحجة وفقًا لتثبيت قاضي الديار المقدسة فنرى الحجاح الشيعة يؤدون أعمال عرفة في يوم الثامن ويعيِّدون في يوم عرفة - وفقا للمبنى المعتاد لثبوت الهلال عند مراجعهم - ومع ذلك فإن حجهم صحيح على رأي المراجع أنفسهم، بل إن بعضَهم يصححُ حجهم حتى مع علمهم بمخالفة الواقع. فالموضوع إذن ليس ”تنازلا“ بل انتقال من مبنى إلى مبنى وفق ظرف خاص اعتمدوه من الروايات.
هذا الظرف الخاص ولنقلْ ”روح ذلك الظرف“ هل يمكن أن نجد لها توسعًا وتطبيقًا في مناسبات أخرى كعيد الفطر؟
تساؤل أطرحه - ولإيماني بطبيعية الاختلاف - لست قلقا أن تكون الإجابة ”لا“.