آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:28 م

الاختراع الابن البار للمعرفة والإرادة

طه الخليفة

دائما ما تتكرر هذا المقولة ”الحاجة أم الاختراع“ في كثير من النقاشات بين المفكرين وحتى الأفراد العاديين وهي مقولة تفترض بأن الحاجة هي المحرّك تجاه التقدّم ورقي الأفراد والمجتمعات. لا جدال في أن الحاجة تشكّل دافعا قويا، ولكن هل تكفي لديمومة التقدم ام أن وقودها محدود وسقفها متدني؟

في الحقيقة، إن الحاجة لوحدها لا تكفي لتقدم الأفراد والمجتمعات والشواهد على ذلك كثيرة. خذ على سبيل المثال، كثير من الشعوب في دول العالم الثالث تقع تحت وطأة الفقر منذ زمن بعيد وتزداد فقراََ مع مرور الوقت، وكثير منها يعيش تحت سوط الديون المسلط على رقابها، كما ويفرض عليها الدائنون قيودا في كيفية ونوعية معيشتها. الحاجة هنا متوفرة، ولكنها لم تكن كافية لدفع هذه البلدان نحو العمل والاختراع والخروج من براثن الفقر والحاجة. وعند إمعان النظر في المجتمعات سنجد هذا ايضا واضحا للعيان على مستوى الأفراد والمجموعات حتى وإن كان هؤلاء في مجتمعات غنيّة ومتطوّرة.

الكثير ربما مرّ بطريقة او بأخرى على هرم ماسلو للاحتياجات، والذي يقول أن الفرد يرتقي باحتياجاته من قاعدة الاحتياجات الفسيولوجيّة الى القمة وهي احتياجات تحقيق الذات مرورا بالتسلسل على الاحتياجات المتعلقة بالإحساس بالأمان والانتماء الاجتماعي والتقدير والاحترام. لكن، ما الذي يحرك فردا او مجتمعا للرقي على هذا السلّم ويمنع آخر؟

الحاجة كعامل ومحفّز متواجدة لدى الجميع وإن كانت بنسب متفاوتة وهناك من يرتقي السلم بينما هناك من ينزلق للأسفل وهناك من يبقى مكانه فيتخطاه الآخرون. هذا كلّه يجعلنا ندرك أن الحاجة ليست المحرك الوحيد وإنما أمور أخرى، وأن الحاجة ربما تساعد في أسفل السلم ولكنها لا تكون ذات نفع كبير للوصول الى قمة الهرم.

من واقع التجربة، كثيرا ما تقع رغبة الانسان في الحصول على مغنم معيّن او ميزة او مطلب رفاهي هو ليس بحاجة إليه وتولد هذه الرغبة دافعا لدى الفرد للسعي لتحقيق هذه الرغبة وقد يسخّر لذلك الكثير من الفكر والوقت والجهد بالرغم من عدم الحاجة. في الحقيقة، لو نظرنا بإمعان لوجدنا أن الحركة نتجت عن المعرفة والإرادة. اولا، تعرّف الانسان على ذلك الشيء ووضع له قيمة في ذهنه ومن ثم تولدت لديه الإرادة لاقتناء ذلك الشيء، والمعرفة والإرادة دفعاه للسعي والعمل على الوصول لذلك المغنم او الهدف.

في رأيي المتواضع أن الحاجة ليست أم الاختراع، بل إن الاختراع هو الابن البار للمعرفة والإرادة.