منطقة الجدل ومنطقه
الجدل هو مراجعة الكلام، والمفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، لذلك جاء المنع من الجدال في الحج لأنه شعيرة موطنها التسليم لا الجدل والمحاجة الذي موطنها العقائد وتشريع الأحكام، لكونها عقلائية وتدخل فيها مصالح الناس.
تتمثل أهمية مشروع الدكتور محمد شحرور في نقل الجدل من منطقة ضيقة ومحدودة يمثلها أصحاب كل مذهب أو طريقة برجالهم ورواياتهم التي تحدد نطاق الفهم القرآني ضمن مسارات متفرقة غير مشتركة ومحددة لا تخرج عنها، إلى أرضية مشتركة يمكن البحث والجدل فيها بدون تلك المحددات والمؤطرات التي ثَبَتَتْ فهم الآيات لِقُرون، ما جعلها صامتةً جامدةً على خلاف الوضع الطبيعي للغة الحية، راجعاً باللغة إلى ما قبل التدوين وجمع المعاجم، فاتحاً الباب على مصراعيه لعلوم اللغة الحديثة وفقه اللغة لتدلي بدلوها، وفهم الإنسان المتوافق مع السقف المعرفي لهذا العصر الذي ارتفع أضعافاً مضاعفة منذ وضعت التفاسير إلى الآن، إضافة إلى لزوم تطابق القرآن مع العالم والواقع الذي تطور فهمنا له لكون خالهما واحدا.
نقل الجدل إلى هذه المنطقة الجديدة أربك أصحاب المنهج المحافظ فجاءت الردود في سياق المنهجية التقليدية التي لا تعنى بما قبل تقنين اللغة ووضع المعاجم، ولا بالواقع الذي تغير وغير معه الفهم البشري في قبالة هذا النص الإلهي الخالد.
بِغَض النظر عما جاء به الشحرور من آراء فإن منهجه الذي نقل الجدل الديني من حدوده الضيقة التي تحتكرها روايات وتفسيرات كل مذهب، إلى أرضية اللغة القرآنية المجردة المعتمدة على «ترتيل الآيات» أي ضم بعضها إلى بعض فهم المعاني التي تقود إليها سياقات الآيات إضافةً إلى الواقع الخارجي أي العالم المادي ذي السنن الثابتة، تعتبر فتحاً يحسب له وإن اُخْتُلِفَ معه في النتائج، بل إن نقد هذه المنهجية أو نقل الجدل إلى هذه المنطقة هو جدلٌ في مكانه الصحيح يفتح آفاقاً جديدةً في مكان بقي دون النظر إليه بغير العين المسلحة بمسابقاتها ومعتقداتها المسبقة.
«ناقشوا ما أقوله ولا تأخذوه كمسلمات»
قالها الشحرور آملاً تسليط الضوء على فكره لا شخصه، ليكون الجدل جاداً بعيداً عن الإصطفافت والتحزبات التي تضيع الغرض من البحث وتفرغ النتيجة من قيمتها الحقيقية.
وللأسف هذا ما حدث ويحدث، معظم الناقدين له ليسوا على اطلاع كافٍ على ما قدم، ولا إحاطة بالأدوات المنهجية التي اعتمدها فيما وصل إليه، والتي تنتج في النهاية إعادة المركزية للقرآن الكريم.
لا أقول ما قلته قول مُسَلِّم بجميع ما لديه، ولا قاطع بصحة كل ما وصل إليه، ولكن أين الطرح المنافس وأين النقد الموضوعي الخالي من التصيد والشخصنة.