آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 6:12 م

من يطفيء الحرائق؟

في عالم الأعمال والشركات، يتحمل رئيس الشركة الناجح مهمة الحفاظ على روح الفريق فيقضي نصف وقته تقريبا يطفيء الحرائق التي لاتفتأ تشتعل بين وقت وآخر بين أعضاء الفريق الواحد سواء بين المدراء او بين نواب الرئيس او غيرهم. هذه الحرائق ليست النار الطبيعية المحرقة وإنما هي نار أشد وطأة لأنها تشتعل في القلوب ولاتراها الأنظار وقد تؤدي الى إنهيار الشركات، وربما العوائل والمجتمعات لاقدر الله.

رئيس الشركة يملك فهما أكثر وأشمل لقضايا الخلاف بين الإدارات المختلفة فيقدم مقاربة مقبولة من جميع الأطراف فيرأب الصدع ويرتق الفتق وتعود المياه الى مجاريها. أما لماذا تشتعل نيران الإختلاف في الرأي بين أعضاء الفريق الإداري في الشركات؟ فأحيانا لحسن نية الأطراف فقد يتنافسون على موارد الشركة المحدودة مما يؤدي الى تنازعهم، وأحيانا نتيجة رغبة أحد الأطراف في الإستئثار بكعكة الرئيس والتزلف اليه بأداء مهمة تختص بها الدوائر الأخرى، وأحيانا آخرى نتيجة الفشل في أداء مهمة معينة فيلقي كل فريق اللوم على الفريق الآخر، وهكذا قد توجد أسباب لاحصر لها تتجدد يوميا حسب الظروف.

وهنا يكون الدور الحاسم والضروري لرئيس الشركة الناجح فهو من يشم رائحة الخلاف قبل ظهوره ويدرس نفسية الأطراف المختلفة ويقدم الحلول المقبولة والمقنعة لجميع الأطراف. لذا ترى الرئيس دائما يلعب دورا حياديا وذكيا جدا في حسم الخلافات قبل ان تستفحل حتى لا تنهار منظومة الشركة الإدارية وتفشل. الرئيس الناجح يشبه الخيمة التي تظلل الجميع فهو الأب الحاني والأخ الكبير المقبول من جميع الأطراف.

أما هل تحتاج العائلات لمن يطفيء حرائقها؟ فالجواب نعم. فكل مجموعة من البشر تتشارك في موارد معينة وتتنافس لتحقيق رغبات معينة قد تختلف فيما بينها وهذا الخلاف قد يكون سببا في تمزقها واندثارها. لذا يوجد غالبا على مستوى العوائل شخص ذو قلب كبير يحمل مسؤولية إصلاح ذات البين، فهو حيادي، حكيم ومقبول من جميع الأطراف. قد يكون هذا الشخص أكبر العائلة سنا او أغزرهم علما او أتقاهم دينا او أكثرهم وجاهة او أسخاهم كرما فهو من يرجع اليه بحثا عن ساحل النجاة من الفرقة والخلاف.

والسؤال المهم هو هل تحتاج المجتمعات لمن يطفيء حرائقها؟

الجواب: نعم، بل الف نعم. المجتمعات فسيفساء جميلة من أصناف شتى وميول مختلفة ونوازع متباينة، فلا يمكن لها أن تخلو من موارد الخلاف. هذا الخلاف قد يكون لاختلاف ثقافاتها وتباين آرائها في ماضيها ومستقبلها. ومع ذلك لايستغني فرد من هذه المجتمعات عن الأفراد الآخرين فهو منهم وهم منه، يعمل معهم ويعيش في كنفهم ويستظل بخيمتهم ويفتخر بأنتمائه اليهم. ولذلك يتوجب اطفاء حرائق الإختلاف منذ بداياتها قبل ان تستفحل ويستعصي أمرها.

أما من يطفيء الحرائق هنا؟ فهو صاحب القلب الكبير المحبوب والحيادي والفطن لخوافي الأمور والحريص على مستقبل الجميع. إن سعة الصدر وحسن الظن والحيادية وعدم السماح بالتعدي على شخصية الآخرين وسمعتهم هي الصفات الضرورية لمن شاء ان يتصدى لهذه المسؤولية العظيمة. هنيئا لمن يؤدي هذا الدور فقد ورد: «اصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام».

رئيس جمعية مهندسي البترول العالمية 2007
والرئيس التنفيذي لشركة دراغون اويل سابقا.