لا إكراه في الدين
اتفقت كلمة العقلاء على مبدأ مهم وهو رجوع الجاهل إلى العالم لتحصيل العلم أو اليقين، وجاء الشرع الشريف مؤيداً لذلك فأوجب على المكلف إحدى الخيارات الثلاثة وهي: إما أن يكون مجتهداً فيعمل بما يرى أو محتاطاً فيأخذ بأحوط الأقوال بين فتاوى الفقهاء أو مقلداً إذا لم يكن من الصنفين الأوليين.
وعندما كان الاجتهاد لا يتأتى لكل أحد والاحتياط فيه مشقة كبرى على أغلب الناس أصبحت الوظيفة الشرعية للمؤمنين منحصرة في رجوع الجاهل بالأحكام الشرعية إلى المراجع المشهود لهم في الأوساط العلمية.
فأوجب الفقهاء وقرروا مسألة مهمة في رسائلهم العملية وهي ”يجب على كل مقلد أو مكلف تعلم الأحكام الشرعية“ فالأصل أن يكون المؤمن عالماً بالأحكام التي سيتعرض لها وإلا عد مقصراً شرعاً.
ومنذ زمن الغيبة الكبرى وظهور المرجعيات بشكل واضح لم تكن في العالم الشيعي مرجعية واحدة طبقت الآفاق رغم وجود غلبة لبعض المرجعيات فيطلق عليها المرجع الأعلى للطائفة وهذا أمر واضح في كل زمان.
فالمقرر أن هناك مراجع مختلفون على مر الزمن في كل عصر وبالتالي على كل مكلّف العمل بما تقتضيه الوظيفة الشرعية برجوعه إلى هذا العالم أو ذاك حسب البيّنات المعتبرة شرعاً والتي تورث الاطمئنان بصحة العمل، وبسبب الاختلاف يظهر التباين في الآراء الفقهية لدى المكلفين.
والسؤال المهم الذي لا بد أن نؤمن ونسلم به هل يجوز التزام غيري بتطبيق فتاوى من أقلد؟؟؟
فمسائل الاختلاف بين الفقهاء لا حصر لها فهي تقع بين الحرمة والجواز والطهارة والنجاسة فضلاً عن الاستحباب والكراهة وهو أمر صحي وطبيعي لاختلاف المباني والقواعد التي يستنبط بها الفقيه الآراء.
فعلى سبيل المثال لا الحصر مسألة إقامة صلاة الجمعة في زمن الغيبة فمن الفقهاء من يقول بحرمة إقامتها ومنهم من يرى جواز إقامتها مع استحباب ضم صلاة الظهر معها ومن يقول باستحبابها وأنها مع الخطبتين تجزئ عن صلاة الظهر.
ومن تلك المسائل مسألة عنوان كثير السفر وما يستتبعها من إقامة الصلاة تامة سواء أثناء العمل أو غيره على تفاصيل يمكن الرجوع فيها إلى ذوي الاختصاص والخبرة لتحديد الوظيفة الشرعية، وكذا مسائل الحج والخمس والصلاة والدماء الثلاثة للنساء حتى جمع بعض أهل العلم مسائل الحج أو مجموعة من التعليقات على كتاب العروة الوثقى للسيد اليزدي أعلى الله مقامه في كتاب واحد لمجموعة من المراجع، كما صمم البعض البرامج الالكترونية بمسمى رسائل المراجع، والمتابع لها سيجد الاختلاف والتبابين في التعليقات بين الفقهاء
ومن تلك المسائل مسألة الهلال التي قد تأخذ حساسية خاصة لدى البعض في دخول شهر رمضان أو شوال لاقترانه بالعيد وللأسف ما يتم التركيز عليه تاركين أغلب أشهر العام رغم أهمية ذلك في إقامة المناسبات الدينية والمستحبات اليومية
والمهم هنا أن يعلم المكلف أن الوظيفة الشرعية مناطة به هو وليست على المجتمع أو العلماء في تحصيلها ومع هذا يُظهر الضجر والامتعاض وقد يوصف المجتمع بأنه متخلف وليس لديه قيادة أو وحدة رأي والواقع أنه نوع من الهروب من التكليف الشرعي ورمي القضية على رجال الدين أو المجتمع وهي وظيفة فردية أولاً وآخراً.
لذا علينا بعد درس كبير في شهر رمضان الذي يبني فينا ويغرس التقوى أن نتعايش ونلتمس العذر لكل من نختلف معه حسب الوظيفة الشرعية ولا نلزم الآخرين بقناعتنا وتقليدنا ما داموا يعملون على طبق الضوابط الشرعية في اختيار المرجعيات ولنبتعد عن المشاحنات والقيل والقال وسوء الظن بالآخرين والمحاسبة على نواياهم.
فالدين هو ما يجمع القلوب والمرجعية هي الضمان والأمان للعالم الشيعي فلا نكن معول هدم لها.
فلنبارك لمن اصبح عنده عيد بالعيد السعيد ولنهنئ من استضافه الله يوما في الصيام.