الهلال الشيعي... وإشكالية ثقة الذات بالذات...!
مأزق الأهلة ليس في نفسها.. عند الطائفة الشيعية، ولا في تباينها وتشظيها، وفق تبرير اختلاف الاجتهاد والمبنى الفقهي للفقهاء والمجتهدين... المشكلة الأعمق فيما يفضحه هذا الهلال النحيل ويظهره من الفردية وعدم ثقة الكل في الكل.. وعدم اعتبار أحد بأحد حتى وفق المبنى الفقهي الواحد والمرجعية الواحدة... العمامة القطيفية تصدر بيانا على مقاسها المكاني.. والعمامة الإحسائية والمدنية... والعراق هناك نجفيات وليس نجف وكربلائيا وليست كربلاء واحدة..
لا أحد يلتفت لغيره ولا أحد يطمئن لغير نفسه وشهوده... ولا يشفع لهذا الواقع المخجل الذي ينتجه المعممون كل سنة تبريره باختلاف الفقهاء لأنها ساقطة بوحدة الصفة ووحدة المناط ووحدة المرجع.. فكون الهلال يثبت في المدينة عند أحد الثقات من الفضلاء مثلا يفترض فيه الكفاية أو ثبوته في أي منطقة أخرى لولا.. أزمة ثقة الذات بالذات... المشايخ الفضلاء الأجلاء لا يثقون في بعضهم.. ولا يأتمن بعضهم بعضا على هلال تقام البينة على رؤيته أو عدمها..
وإن ابتغيت لنفسي رأيا أنا سالكه وماض فيه.. هو تنحيتهم من هذا المكان والتصدي له جميعا، وأن بتولي هذا الشأن الفلكيين العدول الثقات لأنه موضوع خارجي وليس حكما شرعيا.. وعندهم تلقى الشهادات وإليهم ترفع، فإن تم لمجلسهم بيناته أنفض على حكم واحد لا جدل فيه ولا تنازع في مضمونه، وبدون هذا لن يسلم للشيعة عيد دون تمزيق المشايخ له بحسن نية تفتقر إلى حسن التدبير نخشى أن يكون عمق المشكلة من الأنا... لبعض المعممين الذي يرى نفسه قطب رحى الكون إذا لم يثبت عنده، فلا ثبوت له عند أحد غيره، ولو كان في نفس الحي والحارة أو الشارع المقابل لمجلسه، كائنا من كان، وإن سلمنا من عدم الأهلية الإدارية لبعضهم، لن نسلم من المقلدين الذين لا يفرقون بين الفتوى وبيان الرأي في الموضوع الخارجي. فإن لم يثبت عند مرجعه عده حكما شرعيا واجب التقليد والاتباع وإن حضرته سبع وسبعين بينة بثبوت الهلال.
وهذا من الجهل بالتشريع الذي يجب رفعه عن عامة المقلدين وحيث لم يوفق المشايخ في إدارة أنفسهم بالشكل الذي نراه ظاهرا كل عام لا سبيل للخلاص من هذا التيه والشتات، وإغراق الناس فيه، إلا بتبني المسؤولية كاملة من قبل علماء الفلك، وتصديهم له يشكل مباشر فهذا موضوع يجرى عليه قواعد العلم والحس، كسائر شؤون الحياة العلمية الأخرى.
وقد تصدى المشايخ لهذا الشأن في زمن لم يكن لهذا العلم أهله والمختصون فيه، ثم أستقر العمل بحكم سريان العادة وجريان العرف. وليس بوصفه الواقع المنسجم مع المنطق والعلم والمعرفة المتخصصة والفقه.. ولعل الله يوفق للتحضير له للعام القادم إن شاء الله تعالى.