ألا تطغَوا في الميزان
كانت الذكرى السنوية التي يقيمها شيعة أهل البيت عبر تاريخهم كلّه مقتصرة على محمد وآل محمد من المعصومين ، أو تالي المعصوم.
وكانت هذه الذكريات تحمِل في طياتها عِبرة وعَبرة شكّلت ثقافة نوعية غذَّت العقول والأرواح عشرات السنين.
كانت جامعة الحسين هي أكبر المناهل العذبة التي غذّت الفكر الشيعي عبر امتداده الزمني. كانت هذه الجامعة الحسينية جامعة القرآن المحمدي الأصيل ورسالته حقيقة لا اعتبارا.
من المعروف أن محمداً وآله لا يقاس بهم أحد، ولا يشاركهم خصائصهم خَلق مهما بلغوا من الكمال.
إن بعض التيارات الدينية، وبعض الأحزاب السياسية، وبعض المتعصبين لمراجعهم أو مشايخهم من المدرستين الأصولية والإخبارية أصبحوا يضعون رموزهم في كفة موازية لكفة محمد وآل محمد دون قصد منهم؛ وذلك من خلال إقامتهم للذكرى السنوية بطريقة توازي أو تفوق مناسبات آلِ محمد.
لست مبالغًا حين أقول إن هذه المناسبات الفرعية المبتدعة - عند البعض - أصبحت أهم من مناسبات أهل البيت شكلا ومضمونا.
إن هؤلاء العلماء الربانيين نذروا أنفسهم لله ولمحمد وآله فاستحقوا هذه المكانة العالية في الدنيا وفي الفردوس الأعلى من الجنة ولكنهم - أنفسهم - لا يقبلون منكم أن تضعوهم في ميزان آل محمد.
إن جل مناسبات أهل البيت مقتصرة على الخطابة أو بعض العزاء فحسب؛ في حين أن المناسبات المبتدعة يكون لها برنامج خاص وفقرات متعددة ودراسات وباحثون ونقاد ودعوات خاصة، فضلا عن إقامتها بشكل سنوي.
نحن لسنا ضد إحياء ذكرى العلماء الذين أفنوا أعمارهم في سبيل الله ودين محمد وآل محمد، والذين هم الامتداد الطبيعي لرسالة السماء، ولسنا ضد تخليد آثارهم وعلومهم ومعارفهم مطلقاً، بل نعتبر ذلك من كمال الأخلاق ومنتهى الوعي؛ ولكن ليس بالحد الذي يضعهم ندا لمحمد وآل محمد، أو فوقهم بقصدٍ أو بدونه. بمعنى «ألا تطغوا في الميزان».
كما نرى أن التركيز على سيرة الأنبياء المعصومين ، وتوسيع دائرة المعارف حولهم بعد التعمق في دراسة سيرهم بحثا واستقصاء أولى من البحث في حياة بعض العلماء؛ وإن كان ذلك حسناً في ذاته.
إن تخليد سيرة الأنبياء المعصومين وأدوارهم وعلومهم أولى من العلماء غير المعصومين؛ غير أن الروايات الواردة لدينا كانت مقتصرة على إحياء ذكر محمد وآل محمد. ورد عن آل محمد: «أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا».
إن التركيز على سيرة محمد وآله بستان ملئه العلم والخلق والكمال والجمال والسعادة المطلقة؛ لأنهم نور الله وجماله وجلاله الممتد من السماء إلى الأرض التام الذي يغنيك عمن سواه.
ما زالت علومنا ومعارفنا ضحلة وعطشى لعلوم ومعارف ومناهج محمد وآل محمد، ولن نعرف منها إلا القليل ولو نذرنا كل حياتنا للدراسة فيهم؛ لأن العمر يفنى وجامعاتهم الدينية والعلمية والأدبية والأخلاقية لا تفنى.
كلُّ محمدي قرآن يحتاج لمجلدات وأزمنة من الدراسات العميقة لتصل لبعض مكنونه، فما بالك بمحمد ﷺ!!.