عندما تضيق بك الدنيا
أنا وأنت كغيرنا من الناس، حياتنا ليست كلها مشرقة ومحفوفة بالورود. هناك أيام نشعر فيها بأن الحياة صعبة للغاية وليس من السهولة بمكان التعامل معها. عندما تُكَشّر الحياة عن أنيابها فإننا نأخذ نفسًا طويلًا، بعدها نرجع الى ذواتنا ونتأمل ونُحَدّث أنفسنا عما يُمْكننا فعله، فَنَتَذَكر أننا لسنا وليدي هذه الساعة، وأننا نمتلك من الخيارات ما يجعلنا نتقبل الواقع الراهن بكل أريحية، بعدها نبدأ في التفكير في الكيفية التي تهون علينا مصيبتنا.
جميعنا نمر بأوقات سيئة وقد تصل تلك الأوقات إلى أيام أو أسابيع، وقد تتعداها إلى أشهر. في حينها، من الطبيعي أن نفقد مسارنا وأن ننسى المُهم من أمور حياتنا. عندما ترينا الحياة الوجه المعتم منها، فإن الكثير يبدؤون الدخول في متاهات نفسية والشعور بحالة من القلق والتوتر المستمر، وقد يجدون أنفسهم عالقون فيما يشبه الرمال المتحركة التي يصعب إدارتها والخروج منها بسلام.
قد لا يعجبك أن يُذَكّرُك أحد بموقف كهذا، وإن كنت تعيش النقلة بكل ما تحمله من يحموم. في هذه الظروف، لا أحد يقصد أن يجرك الى الوحل، فما تمر به أنت وغيرك يحمل ما يكفي من المتاعب. كل ما أهدف إليه في هذه العجالة هو مساعدتك على الوقوف صامدًا متحملا أعباء هذه المزاجية ومشقتها، وأن تتعلم شيئا عن شخصيتك، يجعل ثقتك بنفسك أقوى من أي وقت مضى.
فلست أجهل ما في العيش من نعمٍ
أنا الخبير بأشياء وأشياء
ولا أحب ظلام القبر يغمرُني
أنا المشبع بآمالٍ وأهواء
وإنما أنا والدنيا ومحنتُها
كطالب الماء لمّا غَصّ بالماء
*محمد مهدي الجواهري
ولأني مررت بالكثير من التجارب المُلْهِمَة في هذا العُمر الذي يشهد تلاشيًا سريعا كسرعة البرق أو هو أسرع، يؤلمني أن أراك تعيش حياتك كما ”خَبْطَ عَشْوَاءِ“. فأدعوك باسم الإنسانية أن تتقبل واقع الحياة كما هو، وأن تعمل بما لديك من أدوات، بدلًا من القلق حيال تخيلاتك الهوليودية بشأن ما سيحدث في المدى القريب والبعيد. أيّ تصرف غير مسؤول منك، سيضاعف من فوضوية الموقف، لذلك عليك أن تنتهز هذه الفرصة لتسمح لنفسك بالتّعلم من الأحداث الصعبة، وأن تستخدمها كَنقطة تَحَوّل للتعامل مع الحياة وعُقَدِهَا.
إذا كانت الصورة التي تراها حالكة بالسواد، فهي لا تعكس جوهر الحياة الحقيقي، فالإيْجَابيات تملأ أرجاء المعمورة، وما عليك إلا أن تستبدل منظارك لترى الصورة بوضوح. إذا شعرت بأن الحياة قد أنْسَتْكَ الضحكة والبَسْمَة، اخلق من هذا الارتباك نكتة تدفعك للضحك. ما تمر به من هواجس قاهرة ماهي إلا دروس حياتية، عليك أن تتعلم منها كيفية العيش بهدوء ورَبَاطة جَأش، ولو وجدت نفسك على شفا جُرُفٍ هَارٍ.
يا صاح ، لا خطر على شفتيك أن تتثلما، والوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك واللُجَى مُتلاطم ولذا نُحب الأنجما !
قال البشاشة ليس تُسْعدُ كائنا يأتي الى الدُنيا ويذهب مُرْغَمَا
قلت ابتسم مادام بينك والردى شبرٌ فإنك بَعدُ لن تتبسما
*إيليا أبو ماضي
من المؤلم جدا أن نتصور أن باب السعادة لا يمكن فتحه إلا من خلال إشباع رغباتنا، وأنه ليس من العدل أن لا نحصل عليها جميعها في الزمن والمكان الذي نُحَدده. لو تمعّنا في كل قصة تحصل لنا، لاكتشفنا أن كلًا منها لها جوانب متعددة تُفَنّد كيفيتها، وأن الأمور لا تبدوا سَيّئةً إلى الحد الذي يجعل المرء يجحد بنعم الله التي تفضل بها عليه والتي لا حصر لها ولا تعداد.
في الكثير من الأحيان علينا أن نأخذ العديد من وسائل النقل في رحلة واحدة للوصول إلى المكان الذي نريده، ولا ضير في ذلك، المهم أن نصل الى وجهتنا سالمين. تذكّر أن تستمتع بالرحلة كل الرحلة والتعلم منها. كُن شكورًا للرب وإن لم تُسْتَجَب جميع دعواتك، واعلم يقينًا أن هناك سبب ما حال بينك وبين أن تتحقق أحد ابتهالاتك، لأمر يعلمه خالقك، وربما قد قَدّرَ لك شيئا أفضل مما طلبت، لعلمه بعاقبة الأمور.