آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:28 م

بين عامر ودامر

عاش أبناء العم عامر ودامر في نفس المدينة وتربيا في مجتمعها. عامر ودامر سلكا سبيلين مختلفين في حياتهما منذ نعومة أظفارهما وحتى الآن.

كان عامر مجدا افي دراسته، كريما مع زملائه، ذا قلب أبيض لا يشوبه حسد او أنانية أبدا، وكانت المبادئ والأخلاق تملأ قلبه وكيانه. أنهى دراسته الثانوية وقرّر أن يدرس الطب فحصل على بعثة الى احدى الدول، تخصّص فيها في الجهاز التنفسي حتى تخرّج بامتياز وحصل على فرصة عمل في مستشفى الجامعة التي درس فيها، فذاع صيته على مستوى العالم.

قرّر عامر قبل أربعة أعوام أن يعود من بلاد المهجر ليؤسّس مستشفى تخصصيا في بلاده يعالج فيه مرضى الجهاز التنفسي. أحتفل أهل مدينته ومحبوه ومن عرفه في العالم بافتتاح مستشفاه أواخر عام 2018، وقد شاركه في ذلك نخبة من الأطباء الذين ألتحقوا بفريق العمل في هذا المستشفى. تفانى عامر وفريقه في خدمة المجتمع وترجم تضحياته الى عمل دؤوب لا يكل ولا يمل في خدمة المرضى. وفي أواخر عام 2019، أصابت العالم جائحة الكورونا، وأصبح مستشفى عامر مركزا لعلاج المرضى من كل حدب وصوب.

أمّا دامر فكان نفعيا بامتياز يبحث عن المصلحة في كل خطوة يخطوها حتى مع الأقارب والأصدقاء، ومع ذلك لا يشعر الآخرون بذلك، فهو مراوغ بدهاء، ذو حديث لبق ولسان عذب. وحين أنهى دراسته الثانوية حصل على بعثة لدراسة الكيمياء العضوية في إحدى البلدان المتطورة. بعد سنتين من التعثر الدراسي، قرّر دامر أن يلجأ الى العمل لفترة قصيرة، عسى أن يستطيع بعدها مواصلة الدراسة.

ألتحق دامر بإحدى الشركات في دولة الابتعاث، والتي كانت تتخصص في صناعة المشروبات. حصل دامر على مرتب شهري مجزي وأستمر في عمله، حتى عرفت إدارة الشركة مؤهلات المراوغة والإقناع التي يتميز بها دامر، فقررت الاستفادة منه وتم ترقيته وتعيينه مسؤولا لشراء الفواكه بأسعار رخيصة من بلده الأم ومن ثم يتم تصديرها الى بلد الشركة حيث يتم عصرها وتصنيعها. مارس دامر وظيفته الجديدة بدهاء ومكر، فأقنع المزارعين في بلاده لبيع الفواكه بأرخص الأسعار. وكتقدير له من قبل إدارة الشركة، تم ترقيته بعد عدة سنوات الى منصب نائب أعلى لرئيس الشركة، وبعدها بسنتين عيّن مجلس إدارة الشركة دامر رئيساَ للشركة على مستوى العالم.

قرّر دامر الطموح أن يوسّع أعمال الشركة في بلدان جديدة، أحتاج بسببها الى قرض بقيمة مائتي مليون يورو من مجموعة من البنوك العالمية. وفي عام 2019م، تم افتتاح مصنعين جديدين للشركة في أنحاء العالم. كان دامر يحلم بأن يدرج الشركة في الأسواق العالمية في عام 2020م، بقيمة اجمالية قدرها مليار يورو، يحصل منها شخصيا على أسهم كحافز تشجيعي تعادل قيمتها خمسين مليون يورو.

في نوفمبر عام 2019، اجتاحت العالم جائحة كورونا فقلبت الموازين رأسا على عقب، فقد أنخفض استهلاك المشروبات عالميا، وتوقفت نصف الطاقة التصنيعية، فاضطرت الشركة أن تطلب من البنوك جدولة ديونها المستحقة. لم توافق البنوك، فعاش دامر أسوأ أيامه وهو يرى أحلامه تتبخر، وتحت ضغط البنوك والمستثمرين، قرّر مجلس إدارة الشركة عزل دامر وتعيين رئيس جديد للشركة.

تحت هذه الضغوط النفسية، أدمن دامر حضور الحفلات الصاخبة مع مجموعة من زملائه في إدارة الشركة الذين تم عزلهم معه. ونتيجة هذا الاختلاط، أصابت دامر عدوى الكورونا، فقرّر أن يعود بسرعة الى بلده الأم ليحتضنه تراب الوطن. وصل دامر قبل يومين فقط الى بلاده ولم يستقبله أحد، فقد قطع علاقته بأهله وزملائه السابقين وتنكر لهم عندما كان رئيسا للشركة، أمّا المزارعون فقد عرفوا مكره وأنانيته. أخبر دامر المسؤولين حين وصوله أنه مصاب بالكورونا، فتم نقله بسيارة الإسعاف الى مستشفى تخصصي للأمراض التنفسية.

في هذه الظروف النفسية والصحية، أحتاج دامر الى من يمد اليه يده لينقذه من براثن الكورونا ومخالب الخيبة والخذلان. أحتاج دامر الى من يعيش المبادئ وجمالها ليفتح له قلبه وسمعه، فوجع الخيبة قد يكون أقسى وأشّد من وجع الكورونا. وصل دامر الى المستشفى وما أن لمح بمعينيه لوحة المستشفى: ”مستشفى الدكتور عامر للأمراض التنفسية“، حتى كاد قلبه أن يتوقف، فهو من كان يسخر من ابن عمه عامر ومن مبادئه سابقا فهل سيشمت به عامر أو هل سيعامله بالمثل؟

بينما كان دامر يقلب يديه خوفا وحيرة، واذا بالدكتور عامر يدخل عليه غرفة الطوارئ، ووجهه يتهلل حنانا وقد علت الابتسامة محياه. وماهي إلا سويعات، حتى تأكّد دامر أن المبادئ تأبى الشماتة او المعاملة بالمثل، فها هو عامر صاحب القلب الكبير يشد من عزمه ويقول له بصوت حنون: ”لا تقلق يا ابن العم“، و﴿قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

رئيس جمعية مهندسي البترول العالمية 2007
والرئيس التنفيذي لشركة دراغون اويل سابقا.