استشهاد الإمام علي (ع) بين النِّدبة والنُّدبة
قم ناشد الأسلام عن مصابه … أصيب بالنبي أم كتابه
بهذا المطلع الصارخ استهل المرحوم السيد حيدر الحلي رثاءه للإمام علي ، تساؤل استفهامي أم استنكاري، فالحدث جلل والخطب عظيم لم يحدث مثله منذ فقد الرسول وبضعته البتول، فكانت ندبة وندبة.
النًدبة بالنون المشددة المخفوضة «المكسوره» في اللغة أثر الجرح الباقي على الجلد كما ذكرها صاحب القاموس المحيط.
وأي جرح مر على الاسلام كفقد هذا الامام، الذي هو عدل القرآن ونفس الرسول والهادي للأمة بعده وحتى نفهم عمق الجرح وشدته، ذلك الجرح الذي لما يندمل، لنقرأ تأبين صعصعة بن صوحان العبدي لأمير المؤمنين عندما انتهوا من دفنه وقف حزينا منكسر القلب وقال كلاما بليغا ختمه بهذه العبارة:
«لقد كانت حياتك مفتاحا للخير ومغلاقا للشرّ وإنّ يومك هذا مفتاح كلّ شرّ ومغلاق كلّ خير ولو أنّ الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولكنّهم آثروا الدنيا على الآخرة».
أيم الله لو قبلوا لأغدقت عليهم السماء والأرض، كيف لا وهو الصلة بين الخلق والخالق كما كان رسول الله فلما قتل قتلت الصلة والصلاة قتل العدل والمساواة قتل التسامح والمحبة وفقدت الأمة بفقده الخير العميم.
قتلتُم الصلاة في محرابها … ياقاتليه وهو في محرابه
وشق رأس العدل سيف جوركم … مذشق منه الرأس في ذبابه
أما النُّدبة بالنون المشددة المضمومة فهي البكاء على الميت وتعديد محاسنه، او الدعوة والاستحثاث على الأمر.
وأي مآثر أروع من قوله:
بلى قضى نفسُ النبيّ المرتضى … وأدرج
الليلة في أثوابه
وهي اشارة لقوله تعالى يوم المباهلة:
﴿فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾
فما أعظمها من منزله، فلا نفس كنفس الرسول ولا عدل لها إلا وصيه بالحق.
أما الندبة بمعنى الدعوة واستحثاث الأمر، فأي أمر ذلك الذي يطلب ويستحث، انه الثار والقصاص من قاتليه، لا لقتله فقط وهو من هو في شأنه وعظمته، بل لتركهم نهجه الواضح وطريقه السوي وانحرافهم عنه، طريق الأنبياء والمرسلين، فهو يستحث ويستنهض حفيده القائم بالأمر ومظهر العدل والأمان الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف، فهاهو السيد يقول:
فليبك“جبريل”له ولينتحب … في الملأ الأعلى على مصابه
نعم بكى والغيثُ من بُكائه … ينحب والرعد من انتحابه
منتدباً في صرخة ٍ وإنّما … يستصرخُ «المهديّ» في انتدابه
ياأيها المحجوب عن شيعته … وكاشف الغُمّى على احتجابه
كم تغمد السيف لقد تقطّعت … رقابُ أهلِ الحق في ارتقابه
فانهض لها فليس إلاك لها … قد سئم الصابرُ جرع صابه
واطلب اباك المرتضى ممن غدا … مُنقلباً عنهُ على أَعقابه
ثبتنا الله على نهجه وجعلنا ممن لا ينقلب على عقبيه إنه سميع مجيب.