آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:22 م

إدارة البيت بعيدا عن التشنج

قد يسأل سائل: هل هناك نصائح لرب الأسرة لإدارة البيت بعيدا عن التشنج التي اعتادت عوائلنا عليه وخاصة ان رب الأسرة هو من يملك السلطة المطلقة في بعض ثقافتنا وممارساتنا أيضا؟

والسؤال نفسه مطروح الى دور المرأة القوية التي تحاول ان يكون لها دورا بارزا في إدارة البيت وتلقى بعض المعارضة من الزوج الغاضب فينشب الخلاف.. فما هي النصائح لهؤلاء؟

مقدمة

هذا السؤال مهم للغاية لآنه يتناول موضوع يتعلق بصحة او سقم الحياة الزوجية وانعكاساتها على بيئة ومزاج البيت وماله من تداعيات على مشاعر السعادة والهناء لكل من الزوج والزوجة، وعلى نمو الجانب العاطفي لدى الأطفال. العلاقة الزوجية التي ابتدأت بمشاعر حب عارمة مع مرور الوقت تمر بفترات «وقد تكون فترات طويلة في بعض الأحيان» من الفتور والبرود ولربما إلى التباعد العاطفي الذي قد يوصل العلاقة الى ما يسميها خبراء العلاقات الزوجية بمرحلة ”الإزدراء“ والتي تعتبر مرحلة تحدي وجودية كبيرة للعلاقة، أي أنها مؤشر على مصير استمرار العلاقة الزوجية.

قبل الإجابة المباشرة على شقي السؤال، من الجيد التطرق الى مصادر ومسببات النزاع والتشنج بين الأبوين.

من أكبر وأعظم المسببات هو وجود ديناميات صراع على السلطة أو السيطرة بين رب وربة الأسرة.

سنتحدث عن العامل التربوي الذي يلعب دور قوي في صياغة شخصية كل من الزوج والزوجة وكيف تتمظهر تلك التربية في سلوكيات نزعة التسلط والتحكم. والعامل الآخر في التربية هو التغذية أو التنشئة الإجتماعية وتحديداتها وتوقعاتها لدور رب الأسرة وربة الأسرة. ومن ثم سنتحدث عن موضوع الصراع على السلطة: تشخيص وطرق العلاج. التشخيص وطرق التعامل مع صراع السلطة سيكون في معرض الإجابة على السؤالين المرتبطين بهذا الموضوع.

دور التربية «Child - rearing/Parenting»

هناك دراسة مهمة أسست الى مسار واسع الإنتشار في تربية الأطفال، الدراسة لعالم النفس الأمريكي مارتن هوفمان ونشرت شهر مارس من عام 1960 في الدورية العلمية الرائدة ”نمو الأطفال“ وتحت عنوان ”السلطة الأبوية وأثرها على الطفل“، أفترض هذا العالم بأن الآباء الذين يسيئون استخدام سلطتهم الأبوية يساعدون على خلق مشاعر الضعف والعجز لدى الطفل وتوجعه يعتقد بأنه مغلوب على أمره ولا حول له ولا قوة. إضافة إلى ذلك، يشعر الطفل بأن لا أحد من حوله «إشارة الى الأبوين» يفهمه او يسانده او يحميه واستمرارية هذه المشاعر عند الطفل واستفحالها تعتبر الحجر الأساس الذي تنبعث منه نوازع التعويض عن هذه المشاعر عن طريق التحكم والتسلط التي نراها متمثلة في صراع على السلطة حينما يصبح الولد زوجا ورب أسرة وتصبح البنت زوجة وربة أسرة في المستقبل.

يعرف مارتن هوفمان القوة على انها ”محاولة قسر الطفل على عمل او سلوك لا يرغبه او ليس له اي دافعية تجاهه.“ نعم، في عملية تهذيب وتوجيه الطفل يستعمل الآباء قوتهم ويرسمون للطفل الحدود التي لا يجوز تجاوزها ولكن هذا التوجيه يمكن أن يحصل في طيف متفاوت الدرجات من الحب والحنان والدفئ. وتعريف هوفمان للقوة ينساق أيضا على المشاعر او العواطف. والشعور بالقوة او التحكم عند الطفل يتولد بعد ان يدرك ان لديه قدرة على تغيير مزاج من حوله والتحكم في إحداث نتائج شعورية او سلوكية فيهم.

ولهذا يعتبر هذا العامل التربوي المؤسس لجذور ما يسمى بالنزاع على السلطة في العلاقة الزوجية وفي الأسرة، وبناءا على ذلك فإن إدراك وتفهم رب وربة الأسرة بهذا الأمر يجعلهم أكثر وعيا لحجم ونوع تأثيرهم على العلاقة. وهذا الادراك يجب أن ينصب على تفسير السلوكيات العقابية الحادة والمبالغ فيها على أنها مجرد محاولات للتعويض عن مشاعر الضعف الداخلي الذي نمى عنده في الصغر وتنامى في مسيرة نموه حتى دخل بيت الزوجية وأسس بيت الأسرة. حينما يكون الأبوين في محاولة مستمرة للتعويض عن مشاعر الضعف، فهم سيعانون من صراع كبير على السلطة حيث يسعى كل واحد منهم جاهدا للتحكم في الآخر. محاولات التحكم يخلق محاولات تحكم مضادة والتي بدورها تَخلق ردود معاكسة عند الطرف الآخر فينشب النزاع والخلاف وترتفع نبرة الصوت في معركة لا ينتصر أي منهما فيها.

كل من الزوجة والزوجة يتكون عندهما مزيج من التوقعات والمطالب الغير واقعية والغير منطقية من الطرف الآخر. ومحاولات كل طرف لفرض الهيمنة والسلطة على الآخر تجهد الطاقة والرصيد العاطفي لعلاقتهم التي غدت كالأرجوحة التي يعتلي احدهما فيها على القمة والتي تعبر عن القوة والغلبة والنصر بينما الآخر يجد نفسه في الجهة السفلى والتي تعني العجز والضعف والهزيمة. وفي بعض العلاقات الزوجية، يتغير موقع الزوج والزوجة على الأرجوحة فتارة يكون في الجهة الراجحة، وتارة لا، وهذا يدل على توزع الأدوار والتفاهم على قواعد الاشتباك في حلبة الصراع. ولكن اذا اصر احد الأبوين على ان يكون هو المسيطر والمهيمن الوحيد فقد يجبر الطرف الآخر على التقهقر والإنسحاب «ولربما انسحاب من العلاقة بالكامل» ولكن بمشاعر غضب وحقد وضغينة.

فدور التربية عامل مهم وكذلك دور التنشئة الإجتماعية، وذلك ما سنتحدث عنه الآن.

دور الثقافة والممارسات او ما يسمى بالتنشئة الإجتماعية «Socialization»

للمجتمع ولثقافته دور كبير في تعزيز الدور التربوي للأسرة وفي وتوجيه سلوك وتوقعات الفرد من الآخرين. وفي موضوع الصراع على السلطة يتحد علم الإجتماع وعلم النفس وعلم التربية في فهم هذه الحالة وتقديم طرق لترشيد نزعة حب التسلط في أي علاقة اجتماعية وخاصة في العلاقات الزوجية والأسرية.

نمو الجانب الإجتماعي لدى الإنسان يحمل مفارقة بمعنى إنه في نفس الوقت الذي ينمو فيه الإنسان ككيان اجتماعي، فإنه ينمو كفرد له سمات شخصية مميزة. ولهذا فطن الباحثون على دراسة شخصية الإنسان وتأثير التربية عليها من زوايا مختلفة. فالعامل النمائي لا ينفك من عامل التنشئة فهما متشابكان وليس بإمكان الفصل بينهما. صحيح ان علماء النفس ركزوا على بحث ودراسة نمو الشخصية بينما علماء الإجتماع ركزوا على دراسة وفهم دور التنشئة الإجتماعية، وعلماء التربية ركزوا على الجانب التطبيقي لنظريات ودراسات علماء النفس وعلماء والإجتماع في عملية التربية والتهذيب والتعليم.

أحد تعاريف التنشئة الإجتماعية هو أنها عملية بروز وتشكل ونمو شخصية الإنسان بفضل التفاعل بين الفرد ومجتمعه وظروف ذلك المجتمع وزمنه «من عادات وتقاليد سائدة تتمثل في الأعراف الإجتماعية والقيم الثقافية وقواعد او معايير اجتماعية» لها أثرها الكبير في صياغة الشخصية. لا بد لنا أن نعي بأن التنشئة ونمو الشخصية عملية ديناميكية مستمرة وليست ثابته وجامدة وحتمية. ولذا يشترك علماء التربية مع زملائهم في علم النفس وعلم الإجتماع في اكتشاف طرق لتقويم أي إعوجاج وتوجيه أي سلوك يعود على الفرد وعلاقاته الإجتماعيةروخاصة الأسرية بنتائج سلبية.

يساهم المجتمع في التنشئة الإجتماعية بطرق مختلفة تشمل تحديد معايير وقواعد اجتماعية للمهارات الشخصية ولطرق التعبير العاطفي وكيفية التعامل مع الناس بما فيها التعامل مع من نحب ونتخذ كشريك حياة لبناء أسرة تساهم بدورها في العطاء للمجتمع. ويتبع الآباء توقعات الثقافة السائدة في مجتمعهم في تربية أبنائهم ليكونوا أفراد ناجحين. وبيت القصيد في هذا: التغذية الإجتماعية أيضا توجه وترشد الآباء على اتباع ما يعتبرفي الثقافة السائدة ب ”الأب الجيد، أو رب الأسرة الجيد،“ فيسعى الآباء بشكل واعي أو غير واع لتحقيق وتلبية طلبات وتوقعات مجتمعهم.

والحديث هنا متركز على التنشئة الرئيسية اي المرحلة التأسيسية للإنسان في مرحلة الطفولة والتي يلعب فيها الآباء والأقارب دور هام ومن ثم تساهم المدرسة والأقران والإعلام في عملية التنشئة الإجتماعية المعقدة.

آليات التنشئة هي التعلم عن طريق المراقبة والملاحظة ومحاكاة سلوك من نعتبرهم قدوة لنا، وعن طريق الملاحظة نكتسب أنماط ثابته للسلوك الإجتماعي. وأحد جوانب هذا التعلم الإجتماعي هو معرفة الدور المتوقع من الفرد أن يقوم به في المجتمع كولد او بنت كأم أو أب مثلا، وهذا الدور هو بمثابة الحبل السري الذي يربطنا بمجتمعنا وثقافتنا، والذي يغذي الفرد بالزاد الإجتماعي وخاصة خلال مرحلة التنشئة الإجتماعية الثانوية التي تنشط حينما يكون الفرد بالغا ومستعدا لللبناء على ماتعلمه أثناء الطفولة عن الدور المتوقع منه في مجتمعه.

والآلية الأخرى هي التعزيز الإجتماعي «social reinforcement» والذي يعرف بعملية قيام وكلاء التنشئة الإجتماعية «كالأبوين» للمحافظة على او صيانة او كبح تصرفات وسلوك الفرد «إبن أو بنت» بما يتوافق والتوقعات والأعراف والقيم الثقافية.

من أكثر الأدوار الاجتماعية المعقدة التي يتعلمها الفرد من مجتمعه ماهو مرتبط بالأدوار الجنسانية - - الدور المتوقع من المرء بناءا على جنسه - - ذكر أم أنثى. الكثير يعتقد بأن الأدوار المختلفة للجنسين أساسها فطري وبيلوجي محض متجاهلين الدور القوي للتنشئة في ذلك، وأكبر دليل على ذلك تنوع وإختلاف الأدوار للذكور والإناث في ثقافات ومجتمعات العالم.

الحديث يطول في دور التنشئة فسأكتفي بهذا القدر لأبين الدور الهام للتنشئة الإجتماعية في صياغة أفكار وسلوك الأفراد وخاصة فيما يتعلق بموضوع السؤال وهو العلاقات الأسرية وما دور رب البيت وربة البيت في إطارهم الإجتماعي. هل المجتمع يربي ويتوقع كل منهما على أن تكون السيطرة لدى الرجل وما معنى ذلك وماهو السلوك الذي يتماشى مع هذا التوقع؟ أم تكون السيطرة بيد المرأة؟ أم تكون السيطرة متساوية بالتفاهم بينهما؟ في أغلب الأحيان، الأفراد - - ذكورا وإناثا - - يتبعون «أو أقلا يكونوا تحت تأثير» تعاليم التنشئة الإجتماعية القوية.

يعتقد بعض الكتاب والباحثين بأن مشاعر العزة بالنفس والكبرياء هي منشأ ورافد لكثير من النزاعات التي تحصل بين البشر بما فيها التزام في بيئة الأسرة. وهذه المشاعر ايضا لها جذور نمائية وعوامل مرتبطئة بالتنشئة السالفة الذكر. سنتكلم عن دور العزة بالنفس في الصراع من أجل السيطرة والسلطة بين الأبوين.

العزة بالنفس «Pride»

هناك عدة زوايا بإمكاننا النظر من خلالها لموضوع العزة بالنفس والكبرياء. علماء النفس يقسمون الموضوع الى نوعين، نوع إيجابي والآخر سلبي. الصنف الأول يرتبط بالتقييم الإيجابي للذات والثقة بها، وهذا الإعتزاز صحي ويزود الإنسان بمشاعر الأمان والتوازن النفسي وتوقير النفس والوعي بقيمتها. بينما الصنف الثاني يعكس مشاعر الكبرياء والغرور حيث التمحور حول الذات متضخم جدا. وهناك تداعيات إجتماعية سلبية كبيرة لأنه يفصل ويعزل الشخص عن الآخرين ومحفز قوي للنزاع والشجار لأن هذا الشخص يعتبر نفسه أفضل من غيره ولهذا لا يرى تصرفاته كعيوب يجب تغييرها او إصلاحها. فتمادي الشخص في الغرور يحدث هوة كبيرة بينه وبين التواضع.

التواضع يتماشى مع النوع الأول من مشاعر الإعتزاز ويجعل الانسان مرنا ومنفتحا على تعلم سلوكيات جديدة او تغيير سلوكيات حالية ويبعده عن التشكي واللوم وإلقاء المسؤولية على الأخرين. والشخص المرن في نظرته لنفسه وللآخرين يتبنى سبيل حل اي نزاع عن طريق الحوار والتفاهم والتوصل الى حلول وسط مرضية للطرفين. بينما الإنسان المبتلى بالغرور والكبرياء ومشاعر الفوقية لا يرى نفسه على خطأ أبدا كأنه «والعياذ بالله» منزه او معصوم من الخطأ والزلل. وعادة ما يتصف هذا النوع من الناس بالبرود العاطفي. ولكي يتغير هذا الإنسان لا بد له للوقوف بصدق وحزم وشفافية لإكتشاف إغراءت المشاعر الزائفة والكاذبة التي تهدد كيانه الداخلي وعلاقاته مع العالم الخارجي. فالصدق مع النفس وترويض جنوحها تجاه الغرور منجاة للإنسان من الهلاك.

في حالات الصراع حول السلطة في الأسرة، يجب التركيز على مشاعر الإعتزاز وتشخيص درجة وحدة السلبية في النوع الثاني منها.

الآن ننتقل لمناقشة ديناميات الصراع على السلطة في العلاقة الزوجية

ديناميات الصراع على السلطة «Power struggle dynamics»

حدوث النزاعات شيئ طبيعي وشائع في العلاقات الزوجية والأسرية ووجود نزاع بين الفينة والأخرى مؤشر صحي للعلاقة لأن لكل شخص في العلاقة رأيه ووجهة نظره وتجاربه وتركيبته النفسية الخاصة. ولكن وجود صراع على السيطرة بين الطرفين حيث احد الأطراف ينزع الى تجاهل او كبح حرية الآخر في التعبير عن رأيه او مشاعره او توقع الطاعة العمياء منه للأوامر هي مصادرة لحقوق الزوج او الزوجة ومولدة للكراهية والبغض. والنزاع على السيطرة والتسلط من قبل الزوج او الزوجة يأخذ عدة أشكال منها:

1 - إعتقاد الطرف المسيطر بأنه على حق وإن الشريك على خطأ.

2 - تجاهل مشاعر وحق الآخر.

3 - الطرف المسيطر عليه يشعر بضياع الشعور بالذات.

4 - يبدأ الطرف المستضعف بالتعبير عن انتزاع حقه في أخذ دور فاعل في العلاقة وهذا يقابله الطرف المتحكم بالرفض وتدريجيا يبدأ النزاع والشجار

وهناك حزمة من الأمور التي تولد الصراع على السلطة في العلاقة ومنها:

1 - كلا الزوجان يملكان شخصية قوية وكل واحد يصر على إدارة شؤون الإسرة بطريقته. وفي هذه الحالة من الجيد أن يعي الزوجان ضرورة معرفة الحالات التي يجب فيها الإصرار على اتخاذ قرار معين والحالات التي من الحكمة أن ينسحب ويدع الطرف الأخر أن يدير الأمر بطريقته.

2 - أحد الأطراف «المتسلط» لا يهتم في أخذ وجهة نظر الآخر بعين الإعتبار. واذا شعر احد الطرفان بأن ما يقوله لم يصل الى الطرف الآخر يكون اللجوء تلقائيا لرفع الصوت وليس لتغيير طريقة توصيل القول او الفكرة التي يرغب في ايصالها. ورفع الصوت لا يؤدي الى النتيجة المرجوة بل يأتي بنتائج ترفع من حدة النزاع وقوة الشجار.

3 - الزوج او الزوجة او كلاهما لا يتقنان فن التسوية والمرونة التي تؤدي الى حل او حلول وسط والتي تسمى ”رابح - رابح.“

4 - احد الزوجان او كلاهما لا يتقنان فن الإصغاء، وعدم الإصغاء يجعل الطرف الآخر يشعر بأن موقفه لا يقدر ولا يفهم ولا يحترم وهذا يضع مزيدا من الوقود على النار ويلهب النزاع.

5 - احد الزوجان يأخذ زمام التسلط والقيادة في كل شيئ صغير وكبير اي ان السلطة تتركز في احد الزوجين، ويولد هذا التسلط مشاعر الغبن والغيض لعدم احترام حقهم في المشاركة والأخذ برأيهم.

الآن سننتقل للإجابة على السؤال بشقيه وذلك بالتركيز على توصيف نوعان من الصراع او المنافسة على السيطرة بين رب الأسرة وربة الأسرة: النوع الإيجابي والنوع السلبي.

الصراع الإيجابي

يبدأ بتقبل واحترام وجهة نظر وأفكار وأولويات شريك/شريكة الحياة وبأن هذه الأمور تتغير مع نمو الإنسان وتقدم عمره. فالحياة الزوجية تعتمد على انفتاح كل من الزوج والزوجة على عملية التعرف واحترام ما يميز الآخر ككيان مستقل بذاته وأرائه وكيفية تعامله مع أمور الحياة. الإختلافات الشخصية بين الزوجين بإمكانها ان تكون مصدر نزاع وشجار او مصدر لتقوية وتنمية العلاقة الزوجية.

فالإعتراف والقبول بالإختلاف يحتم على الزوج والزوجة على أن يتفقا على قواعد الإشتباك حينما يحصل سوء تفاهم او نزاع معين، وتلك القواعد تشمل الخطوط الحمراء التي لا يجوز على اي منهما التعدي عليها والعمل سويا الى التسوية المرضية للطرفين بالتحدث بشفافية ووضوح بنبرة هادئة تعكس الإحترام المتبادل. جعل الحلول الوسطية كغاية يعبر عن ان كل من الزوج والزوجة لديهما الإستعداد للأخذ والعطاء وهذا من شأنه تقوية الروابط العاطفية والإحترام بينهما. فأدوات الصراع الإيجابي تتلخص في حل اي نزاع او صراع بالحوار الشفاف والصادق والتعبير عن وجهات النظر والمشاعر بإحترام والتوصل الى الحل الذي يرضي الطرفين.

الصراع السلبي

هذا النوع من الصراع هدفه ليس الوصول الى تسوية او حل وسط وإنما نيل الغلبة والتحكم والسيطرة على الزوج/الزوجة. فالزوج المتسلط او الزوجة المتسلطة يجيدون التلاعب والسلوكيات الإخرى التي تهدف الى إرغام الطرف الآخر على تبني وتقبل وجهة نظرهم او طريقتهم او أوامرهم. شعارهم هو «My way or the highway!» أي طريقي أو الطريق السريع!

والغريب بأنه على الرغم من تحكم طرف على الآخر في العلاقة، إلا إنه لا رابح حقيقي في هذا الصراع. الطرف الذي شعر بأنه الخاسر ولا يستطيع تغيير المعادلة تنتابه مشاعر عدم الرضا وتبدأ مشاعر الحقد والكراهية في النمو عنده والتي تزيد مع كل شجار ونزاع في سلسلة الصراع المستمرة. نتيجة الصراع ليست التسوية ولا يجني طرفي الصراع غير الشقاء.

من الجيد اذا على رب الأسرة وربة الأسرة أن يفكروا جيدا في الإجابة على هذا السؤال: هل من الأفضل أن أكون على حق وأنا أسير أمور الأسرة برأيي وارادتي وطريقتي مهما كلّف الثمن؟ هل هذا سلوك ينمي العلاقة وينشر مشاعر الحب والإحترام بين الزوجين ويشيع أجواء الأمان والهدوء في الأسرة؟

وأثناء التأمل في هذه الأسئلة من الجيد أيضا تسليط التفكير في دوافع النزاع وعوامل إشعال فتيله. هل كل طرف يبحث ويصطاد على الآخر هفواته وأخطائه ويذكره به ويعاقبه عليها ليس مرة أو مرتين بل أمرارا! في الجولات القادمة.

الآن نختم الإجابة بإعطاء توصيات للتعامل المعقول مع الصراع من أجل التسلط لكي يدير رب الأسرة البيت بدون تشنج وتدير ربة الأسرة البيت بدون خلاف.

إدارة البيت بدون تشنج: رب الأسرة؛ إدارة البيت بدون خلاف: ربة الأسرة

ناقشنا عدة عوامل لها دورها الفاعل والنشط في العلاقات الأسرية وهذه العوامل تتشابك في كثير من الأحيان بسلوك تقصير مقصود وغير مقصود في تأدية واجبات ومسؤوليات الحياة اليومية للأسرة. وهناك خمسة طرق ينصح بها خبراء الإرشاد الأُسَري للتخفيف والتخلص من الصراع

السلبي على السيطرة والتحكم.

1 - اللجوء الى ربط الأعصاب وعقد نية التهدئة لا التصعيد حين الشعور بأن الأمور تسير بإتجاه الصراع والنزاع. وفي هذه الحالة من الجيد تدوين المشاعر والتفكير في توقيت ومكان ونوعية الخلاف الذي قد ينمو ويتفاقم الى شجار ودور كل من رب وربة الأسرة فيه. بمعنى آخر، يجب التعرف على المؤثرات التي تقود الى الصراع والقيام بالتهدئة لكي لا ينشب ويتطور الأمر الى خلاف كبير.

2 - أن يعي كل من رب وربة الأسرة بأن أي خلاف ونزاع يحتاج الى اشتباك الطرفان فيه، ويجب على كل طرف أن يقوم بمسؤوليته في تجنب وقوعه.

3 - وإذا وقع الخلاف والنزاع لابد للزوج والزوجة من التحدث عما حدث بدون إلقاء اللوم أوالمعاتبة، ولكن بالتحدث بشفافية وصراحةوبكل هدوء لعل يهتدي الطرفان بأن كل منهما كان يسعى أن يدير الأمور بطريقته وقسرالآخر على تقبلها، وإن هذا السلوك يكون مؤذيا ويؤدي الى نتيجة خاسر - خاسر.

4 - أن يعاهد كل من رب البيت وربة البيت نفسهما بالمشاركة بمشاعرهم وعواطفهم والتعبير عن حاجاتهم بكل صراحة ورقة ولطف لتجنب إلقاء اللوم او الإتهام. إذا كان جو الحب والمداراة هو السائد في معالجة الإختلافات فهذا سينمي العلاقة وينضجها ويزيد من الرصيد العاطفي للزوجين والذي سينعكس حتما بشكل إيجابي على كل أفراد الأسرة، ويكون سلوك الأبوين قدوة حسنة لأبنائهم.

5 - توخي الصبر والحكمة لأن أي سلوك يطمح الإنسان في تعلمه والتعود عليه يحتاج الى وقت للمارسته والتمرن والتعود عليه حتى يتحول الى ملكة. وبالتحلي بالصبر سيكتسب الزوج والزوجة على طرق إيجابية للوصول الى توازن في عملية الصراع وسيجنون ثماره المتمثّلة في الثقة المتبادلة وفي تبدد أي مسافة أو تباعد عاطفي. نعم، إنهما سيجنون قطاف الحب والسعادة.

رئيس سابق لقسم علم النفس التربوي في جامعة شمال ولاية أيوا بأمريكا، أكاديمي وباحث ومؤلف سعودي مقيم في أمريكا.