ماذا يعني التاسع من مايو؟
انه اليوم الذي وقع قادة المانيا النازية وثيقة الاستسلام، وبذاك التوقيع توقف اطلاق النار في اوروبا وانتهت عملياً الحرب العالمية الثانية. تلك الحرب التي تجاوز عدد القتلى فيها 55 مليون انسان، نصفهم تقريبا كانوا من مواطني الاتحاد السوفيتي اذ بلغ عدد القتلى السوفيت 25 مليون انسان. والسبب الاول لسقوط هذا العدد الضخم من السوفيت، هو مقاومتهم للغزو النازي ورفضهم الاستسلام. فمنذ ان بداء هتلر الحرب لم تصمد ولا عاصمة اوروبية امام جيوشه الزاحفة بما فيها العاصمة الفرنسية. اما في الإتحاد السوفيتي فكانت الصورة مختلفة، وباستثناء القرى الصغيرة لم تقع اي من المدن السوفيتية الرئيسية تحت قبضة الالمان.
ترينا كتب تاريخ الحرب الكونية الثانية كيف تمكن الجيش الاحمر السوفيتي من صد هجومات الجيش الالماني وحلفاءه «دول المحور»، ومنعهم من اختراق خطوط دفاعاتهم. كان التفوق العسكري الالماني ملحوظا، ولم يكن في استطاعة اي دولة في العالم آنذاك مواجهته لوحدها.
ومن جهة أخرى لم يكن الجيش الاحمر تقنيا بنفس مستوى الجيش الالماني، كما انه كان وحيداً في مواجهته وتصديه للهجوم الالماني المباغت. ووفقا لم هو مكتوب الآن، لم يكن الالمان وحدهم من كان يعتقد بأن سقوط موسكو لن يستغرق وقتاً، وان انهيارها واستسلامها كما العواصم الاوروبية الاخرى مسألة ايام لا اكثر. وهنا كانت المفارقة فقد صمدت موسكو وكل المدن السوفيتية التي حاصرتها القوات الألمانية. فمدينة ليينغراد «سانت بطرسبورغ حاليا» على سبيل المثال استطاعت الصمود في وجه الحصار النازي لمدة 900 يوما، وتوفي من
سكانها ما يزيد عن 650 الف بين مدني وعسكري، نسبة كبيرة منهم ماتوا بسبب الجوع. ورغم الايام البالغة الصعوبةلسكانها ابت المدينة ان تفتح ابوابها للغازي الالماني وحليفته فلندا.
وتحظى مدينة ستالينغراد «فولغاغراد حاليا» ذات المكانة الاستراتيجية، بمكانة كبيرة في تاريخ الصمود امام اقوى جيش في العالم انذاك. لقد تعرضت المدينة لقصف جوي ومدفعي دمر كل معالمها واحالها إلى اطلال، ولكنها لم تركع أو تنهار. وتحولت معركتها «معركة ستالينغراد» الى محطة مفصلية في مسار الحرب. حينما تمكن الجيش الاحمر من طرد الالمان وحلفاءهم من حدود المدينة، والانطلاق نحو تحرير بلادهم وكل اوروبا الشرقية، والوصول بعد عشرين شهرا الى العاصمة الالمانية / برلين ورفع راية الإتحاد السوفيتي فوق مبنى الرايخستاغ في 8 مايو 1945.
وهنا تأتي اهمية الدور الذي لعبه الجيش الاحمر في الحاق الهزيمة بالمانيا النازية التي كانت تخطط للسيطرة على معظم بلدان العالم واستعباد شعوبها وتسخيرهم لخدمتها.
ولهذا يكتسب التاسع من مايو اهمية تاريخية ليس فقط للبلدان التي شاركت في الحرب، وانما للبشرية جمعاء باعتباره يوم النصر على النازية. والنازية كعقيدة وممارسة تعد من اكثر اشكال الفاشية عدوانية ووحشية وتعصبا، والذي بان جلياً في ممارساتهم وتعاملهم مع شعوب البلدان التي احتلوها. ولنا ان نتخيل لو ان هتلر تمكن من احتلال الاتحاد السوفياتي، لتمكن من الوصول الى دول الشرق دون مشقة، واخضاع كل القارة الاسيوية الى سيطرته وسيطرة اليابانيين.
لقد دشن النصر على النازية بداية مرحلة جديدة في تاريخ البشرية، تمثلت في قيام نظام دولي متعدد القطبية، وقيام منظمة الامم المتحدة، وتعززت في القانون الدولي مبادئ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتأسيس دولها المستقلة، مما حفز شعوب بلدان اسيا وافريقيا «بما فيها الشعوب العربية» للانطلاق في طريق الكفاح الوطني للتخلص من نير الاستعمار الاجنبي ونيل الاستقلال.
كما الهم النصر على النازية القوى المحبة للسلام في مختلف ارجاء الكرة الارضية على توحيد وتكثيف نضالها لمنع قيام حرب كونية اخرى ومنع أنتشار الاسلحة النووية، ذاك الخطر الجديد الذي اصبح يهدد سلامة الجنس البشري كافة.
إننا اليوم حينما نتمعن في كيف تم الانتصار على النازية، لا يمكننا اغفال الاثر الذي تركه قيام تحالف عالمي «ضم في صفوفه كل الحكومات والقوى المعادية للفاشية» في منع استطالة الحرب لأكثر من سبع سنين. وبما ان العالم اليوم يواجه عدو جديد مشترك فائق الشراسة «فيروس الكورونا»، يمكنه ان يفتك بملايين البشر، اذا لم يتم أكتشاف لقاح مضاد له في وقت قريب، فأن الحكمة والعقلانية تستوجب قيام تحالف عالمي من نوع جديد مهمته اكتشاف السلاح الآمن القادر على الحاق الهزيمة بهذا الفيروس ومنعه من الاستمرار في الفتك بالبشر. ويمنحنا الفرصة لرفع راية النصر عليه، كما رفع الجنود السوفيت راية النصر في سماء برلين قبل 75 سنة.
تحية لمن صنع النصر على النازية. وتحية لكل من يعمل في خدمة الإنسانية وحمايتها من كل انواع الاخطار.