لكي نصبح أمة تقرأ
تتعدد الأسئلة حول إشكالية ”الأجيال الناشئة والقراءة“، وأسباب نفورهم منها، وطرق تحبيبهم وجذبهم إليها. إذ كيف يمكن تشجيع الناشئة وتحفيزهم على القراءة في هذا العصر الرقمي الخالص، وها هي أجهزة التكنولوجيا تحيط بهم من كل صوب واتجاه، وتجذبهم وتغريهم بوسائل الترفيه واللعب الكثيرة، وتُقدِم لهم ألف مبرر لترك الكتاب والابتعاد عن القراءة؟
إن غرس حب القراءة في نفوس الناشئة، من الأطفال والأبناء وطلاب المدارس، وتربيتهم على حبها، وجعلها نهجاً وأسلوباً حياتياً، وعادة يومية يمارسونها ويستمتعون بها، ليس بالأمر السهل واليسير، وإنما يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد من أجل جعلهم يحبون القراءة ويمارسونها. بل ويزداد الأمر صعوبة في ظل هذا العصر الرقمي، وانتشار الأجهزة التكنولوجية، من هواتف وحواسيب تجتذبهم وتغريهم بوسائل الترفيه واللعب والتسلية، حيث يقضون معها جل أوقاتهم، وذلك على حساب المعرفة والثقافة.
لا شك بأن غرس حب القراءة في نفوس الناشئة يعتمد على الدور الذي تؤديه الأسرة في البيت، أو المعلم في المدرسة، وما يقدم لهم من أنشطة تحفز على القراء، بحيث تتحول إلى متعة تجتذبهم وتنمو معهم، وشيء محبب إلى نفوسهم يحملونه طوال حياتهم، وعادة يُقدُمون عليها بدوافع ذاتية، من دون انتظار أوامر أحد، أو تدخل منه، سواء كان في البيت، أو من المشرفين في المدرسة.
ومن أجل غرس وتنمية ثقافة القراءة بين أفراد المجتمع، يقترح ”سليمان علي العريني“ وضع خطة عمل واضحة من حيث الأهداف والجدول الزمني ومؤشرات الأداء والتغطية الجغرافية والمحفزات، أي بإدارة مشروع شامل وعملي. مشروع يمكن لوزارة التربية والتعليم أن تحدث فرقاً كبيراً ونوعياً فيه. فرقاً يمكن أن ينقل المملكة إلى مراتب عالمية، وخصوصاً في مجال الاقتصاد المعرفي، حيث يمكن للوزارة القيام بعدد من الخطوات التطويرية المهمة ومن أهمها:
1 - إجراء تعديل جذري في المنهج التدريسي لجميع المراحل، بدءاً من مرحلة رياض الأطفال إلى مرحلة الثانوية العامة، بحيث يتم تخصيص حصص يومية «وليس أسبوعية» للقراءة الميدانية «في المكتبة»، وكتابة ملخصات لعدد من الكتب، أو القصص خلال الفصل الدراسي الواحد، مع تكليف مختصين ومختصات في الأدب للإشراف على هذه النشاطات ومتابعتها. كما يمكن أيضاً دمج الوسائل التقنية الحديثة في هذه الأنشطة، وذلك من خلال تكليف الطلاب بالبحث عن معلومات معينة في النت، وكتابة تقارير عنها.
2 - تخصيص مكتبات تقليدية ورقمية، ودمجها بوسائل اتصال وتقنيات حديثة في كل مدرسة وفي جميع المراحل، مع التأكيد على تحديثها وتخصيص مشرفين متخصصين عليها، وتقييم أداء المدارس بناء عليها، فحتى لو وجدت مكتبات وهي موجودة في بعض المدارس؛ إلا أن تفعيلها بالشكل المطلوب يحتاج إلى جهود أكثر.
3 - تعديل نظام تقييم أداء الطلاب، بحيث تتم مطالبة كل طالب وطالبة بتقديم تقارير وملخصات دورية عن الكتب الثقافية المقررة عليهم، إما اختيارية أو محددة سلفاً، على أن تكون هذه التقارير ملزمة وضرورية لتخطي المرحلة الدراسية، أي إنها ليست اختيارية أو نشاطا عادياً.
4 - إلزام كل مدرسة بتطوير وتصميم وإخراج مجلة أسبوعية من عمل الطلاب والطالبات، وبإشراف من مشرفي ومشرفات حصة الأدب والمكتبة، مع التأكيد على أصالة المادة العلمية والثقافية في هذه المجلات، وأنها من عمل الطلاب والطالبات وليس شيئاً آخر.
5 - تعاون وزارة التربية والتعليم مع وزارة الثقافة والإعلام، وأيضاً الصحف الإعلامية والقنوات الفضائية المحلية، بحيث يتم بناء خطة عمل مقترحة للتوعية بثقافة القراءة، وتشجيع وتحفيز أطفال المملكة على ممارستها بشكل يومي.
هذه بعض الخطوات الإصلاحية التي يقترحها العريني للمجتمع، والتي ينبغي العمل بها إذا ما أردنا التقدم، مؤكداً على أن وطننا يستحق العمل والتضحية من أجله، ومتسائلاً هل تستجيب وزارة التربية والتعليم؟ " [1]
والحقيقة أن مثل هكذا اقتراحات تدعو إلى تنمية ثقافة القراءة أمر يستحق الدرس والمناقشة. فبناء مستقبل الأوطان يتطلب الاهتمام ببناء ثقافة الأجيال الناشئة لتستطيع تحمل ثقل أعباء المستقبل وتحدياته، وتكون مستعدة لمواكبة تطوراته السريعة وهي محصنة فكرياً وعلمياً. وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا حين ينشأ الصغار على حب القراءة، والتعلق بحب المعرفة منذ الصغر، سواء كان ذلك في البيت، أو في رياض الأطفال، أو في المدرسة، بحيث تدخل في مناهج التعليم، وتخصص لها حصص يومية، أو أسبوعية، وبإشراف مدرسين متخصصين.
وعليه ينبغي أن نضع نصب أعيننا أهمية الاستثمار في الإنسان والارتقاء به من خلال تنمية ثقافة القراءة في مجتمعاتنا، وحث الأبناء على إثراء معارفهم، والاستمرار في نهل المعارف من دون توقف أو انقطاع. فالقراءة بداية الطريق لمستقبل أفضل، قائم على العلم والمعرفة. فالأمم التي تقرأ تمتلك زمام التقدم، حيث أثبتت الوقائع والأحداث وتطوّر الأمم وتقدّمها، بأن القراءة إحدى الركائز المهمة في البناء والإعمار، لأنها تبني الإنسان، ثقافة ومعرفة وعلماً، والإنسان المؤسَّس على هذه القيم هو الأقدر على تحمل أعباء المستقبل وتحدياته.
لذلك يجدر بنا جميعاً أن نضع موضوع ”الأجيال الناشئة والقراءة“ ضمن أولى أولوياتنا، وجعل القراءة نهجاً حياتياً لأبنائنا، وجزء لا يتجزأ من أنشطتهم اليومية الاعتيادية، وأن نبذل قصارى جهدنا في تحفيزهم وتشجيعهم عليها، كما هو حادث في المجتمعات المتقدمة، والتي تعتبر القراءة جزء لا يتجزأ من عادات الفرد اليومية، فهي تزرع في عقول أبنائها حب القراءة منذ الصغر وتشجعهم عليها، ليكون الكتاب صديق ساعاتهم، ورفيق أيامهم.