رؤى رمضانية
شهر رمضان شهر الفضائل، والأخلاق الرفيعة، شهر تتهيأ فيه النفوس للسمو الروحي، وهو شهر للتلاقي والتواصل الاجتماعي، وفيه دعوة صريحة لمد يد العون للتعاطف الاجتماعي.. يقول رسول الله ﷺ: ﴿مَن فطَّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر كانَ لَهُ بذلِكَ عِندَ الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى مِن ذنوبهِ﴾ «1» وغيرها من الفضائل.
ولكي نتخرج من هذه الشهر بأعلى المراتب أذكر لكم بعض الرؤى الرمضانية:
شهر رمضان هو أثمن الفرص، وهي تلازم الإنسان لمدة ثلاثون يومًا، تحفزه للاستثمار الأفضل، تقدم له أعظم العروض وأثمنها، إنها فرصة إعادة بناء الذات وتنقيتها وتطهيرها عبر ممارسة بعض الأعمال العبادية التي من شأنها أن ترتقي بالإنسان وتستنقذه من الردى يقول الرسول الأكرم ﷺ: ﴿إنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركُم ثقيلة مِن اوزاركُم فخفّفوا عنها بطولِ سجودكُم، واعلموا أنّ الله تعالى ذِكرَه اقسم بعزّته أن لا يعذّب المصلّين والسّاجدينَ، وأن لا يروعهم بالنّار يَوم يقوم النّاس لرب العالمين﴾ «2».
لكي لا تفوتك هذه الفرصة عليك أن تكون مستثمرًا واعيًا حكيمًا مخططًا لكل لحظة من لحظات هذا الشهر، وعليك أن تكون مجدًا مثابرًا في العمل الصالح.
قال الإمام علي : ﴿قَلِيلٌ تَدُومُ عَلَيْهِ أَرْجَى مِنْ كَثِيرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُ ﴿«3».
من الجميل جدًا أن يقبل الإنسان على تأدية أعمال شهر رمضان بروحية عالية واندفاع واعي، وليس عملاً حماسيًامؤقتًا، حيث أن البعض ممن يتسم بسمة الانفعالية نجده بعد مضي بعض الليال قد أصيب بالفتور وبدأ بالخمول والتكاسل عن أداء الأعمال الرمضانية.
لذلك عليك أن تخطط لأعمال شهر رمضان وأن تستمر عليها بفاعلية من خلال:
التنويع في الأعمال، في كل ليلة مارس عملًا مختلفاً «قسم دعاء أبي حمزة إلى عدة مقاطع» اقرأ بعض مقاطع دعاء الجوش، التغيير المستمر يجنبك الفتور.
التنويع في الاستماع للخطباء وقراء الأدعية، لا تبقى في حدود معينة. فلكل خطيب نبرة معينة من شأنها أن تبث فيك روح الفاعلية، ولكي قارئ دعاء أو قرآن صوته الشجي الذي يحرك مشاعرك ويحلق بك في الأجواء الروحانية.
وتذكر أيضا أن الفاعلية حتى في ممارسة الأعمال الصغير لها أثرها وثوابها العظيم حيث يقول الرسول الأكرم ﷺ: ﴿ومَن تلا فيهِ آية مِن القرآن كانَ لَهُ مثل أجر مَن ختم القُران في غَيرَه مِن الشهور﴾ «4».
في شهر رمضان يتدرب الإنسان على ضبط ميوله وشهواته، وضبط مشاعره وتفكيره، وبعبارة أخرى فإن الانضباط يعني أن يكون الإنسان قائد ذاته، يتحكم بميولها فلا يجعلها تسيطر عليه وتقوده نحو الملذات.
ومن صور الانضباط أيضاً أن يكون الإنسان منضبطًا أخلاقيًا كما يقول رسول الله ﷺ: ﴿مَن حسّن منكم في هذا الشّهر خُلقه كانَ لَهُ جواز على الصراط يَوم تزلُّ فيهِ الاقَدْام﴾ «5».
فهو منضبطًا في سلوكه مع الآخرين، يتعامل معهم بكل تسامح ومحبة واحترام، مبتعدًا عما يجرح مشاعرهم، أو غيرها من الأخلاقيات التي تتجلى في شهر رمضان. تقول السيدة فاطمة الزهراء : ﴿ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه؟﴾ «6».
إن المؤمن بحاجة إلى إرادة صلبة قوية يواجه بها وساوس النفس وإيحاءات الشيطان، والصوم كعبادة إلهية تقوي الإرادة وتصلبها «7».
كما أن شهر رمضان يربي في ذات الإنسان صفة الصبر، والتي تعني تحمل المشاق والتعب والاستمرارية في العمل «الصيام» للحصول على أفضل النتائج، ولذا ورد عن الإمام علي أنه قال: ﴿من صبر ساعة حمد ساعات﴾ «8». وعنه : ﴿الشجاعة صبر ساعة﴾ «9».
وهكذا فإن الصيام كتجربة عظيمة تربي شخصية الإنسان وتصقلها على الإرادة والصبر والعزيمة وتنقيها من شوائب الضعف والوهن والخمول.