حكاية عطارد مع الكورونا
اعتبرت فترة انتشار جائحة الكورونا مرحلة مختلفة عن كل المراحل التي تمر بها المجتمعات والدول بشكل عام ولذلك فقد تداول بين الناس تحديد هذه الفترة بعدة مسميات فمن قائل زمن الكورونا أو فترة أزمة الكورونا وحتى بين الأدباء اطلق على كل ما صدر في هذه الفترة من شعر او نثر مسمى «أدب الكورونا» أو «أدب العزلة» وغيرها من المسميات التي تشير إلى هذه الحقبة الزمنية كمرحلة استثنائية اختلفت فيها حياة الناس اليومية وممارساتهم العملية وتوقفت تعاملاتهم الاجتماعية المباشرة وأصبح التواصل الافتراضي على الشبكة العنكبوتية بديلاً عن الاجتماعات المباشرة مع الآخرين. وذلك لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه فلابد من إيجاد جسور تحقق تواصله مع أهله وأصحابه ومجتمعه بشكل عام لذا أصبحت خدمة الانترنت من الأهمية بمكان حيث لا يستغنى عنها في فترة الحجر المنزلي.
كنا نبحث عن مساحة زمنية نمارس فيها مالا يسعفنا الوقت له من هوايات وأساليب ترفيه أو محاولات تطوير أنفسنا بما يتناسب مع ميولنا وهذا مالا يمكننا إتمامه بسبب الالتزام في العمل وطرق أبواب الرزق بأي شكل من الأشكال.
وفي مرحلة الحجر المنزلي تباينت اتجاهات الناس وأساليبهم في طرق الاستفادة من هذه المدة التي حتى هذا اليوم لا يعرف أفق مداها برغم أن القطيف بالتزامها بإرشادات الجهات الأمنية والصحية استطاعت أن تشعل قناديل الأمل بغدٍ أجمل بإذن الله حيث تتم السيطرة على عدوى هذا الفيروس بمشيئة الله ثم جهود ولاة الأمر وبالأخص خط الدفاع الأول الممثل في وزارتي الداخلية والصحة ويرفع البلاء عن الناس في كل مناطق الوطن الغالي وجميع دول العالم.
لكن هذه الأزمة من منظار الفكر الإيجابي واضحة المنافع حيث أن كل ما يأتي من الله فيه خير لعباده فقد استطاع من نظر الأزمة من خلال ممارسات إيجابية تميزت بها المنطقة في كل اختصاص على اختلاف مستويات من يمارسها وأهدافه التي تقوم على أساس التطوير وتحسين الأداء وإفادة الآخرين ونفع الناس وتقديم كل أشكال العطاء وتقدير الآخرين لعطائهم وتشجيعه لانجازاتهم.
جُبل الإنسان على حب الجمال في كافة خلق الله بداية من جمال البشر والطبيعة والكائنات الحية من حيوان أو طير أو مخلوقات بحرية عجيبة ولأن مجتمعنا الجميل قلباََ وقالباََ فترى الغالبية العظمى اما صانعاََ للجمال كفنان تشكيلي او مصمم ديكور أو خبيرات التجميل البشري أو أن يكون البعض متذوق للجمال يستشعر حب الناس لنشر الجمال البصري في كل مكان حتى تسعد العيون بما ترى..
وكعاشقة للجمال الرباني الذي أجده في كل مكان حولي فقد وظفت رحلاتي الافتراضية في زمن الكورونا لأجل اكتشاف أروع أشكال الجمال في الحياة وتشجيعها ومارستها ان امكن حين تخص الجمال المعنوي.
في احد الايام كنت أبحث كعادتي عن مستجدات إصدارات زمن الكورونا واجمع الأفكار الإيجابية التي أجدها من خلال ممارسات الناس وتعاطيهم مع هذه الأزمة.
شد انتباهي اعلان عن عمل ديكور عبارة عن تصاميم فنية جميلة لإغلاق فتحة المكيفات الصغيرة المسماة «بمكيف وندوز» حيث حل محله المكيف المركزي الذي لا يحتاج لفتح مساحة من الجدار.. ولكي لا يكون إغلاق فتحة المكيف مشوهاََ لشكل الغرفة يجتهد هذا النجار في صنع تصاميم ليبدو المكان كأرفف توضع عليها الكتب والتحف وغيرها.. وقد ادهشني جمال الفكرة في استثمار المساحة وتحويلها لتحفة فنية في الديكور رغم بساطة تنفيذها..
قرأت الإعلان لاجد صاحبه قد أتقن طريقة العرض واسلوب الدعاية فقد حدد نوع الخشب الذي يستخدمه مع تحديد السعر لكل تصميم على حدة. وكانت عيناي تبتهج من جمال المنجز وتناغم الألوان واختلاف التصميم ما بين شكل شعبي او رسمي او حديث يتماشى مع باقي ديكور المكان المنفذ فيه.
حين ترى شخص يجمع بين الطموح والهمة والاجتهاد لتحقيق هذا الطموح تعلم انه سيصل لمبتغاه يوماََ ما. يتميز بحسه الاجتماعي الذي يتضح من خلال سرعة تعارفه والفته مع الناس في اي محفل اجتماعي. حين تتحدث معه تعلم انه شخصية متميزة بقدرته على انتزأع ضحكة من القلب بأسلوبه الفكاهي. وجدت كل ما في هذا هذه الشخصية التي تعشق كل أشكال اَلجمال في الحياة.. يحب التميز في كل اختيارات حياته وربما لأنه اعطي اسماََ مميزاََ «عطارد» استحوذ على اهتمامي منذ عرفته فقد شعرت أن ندرة التسمية به تزيد صاحبه تميزاََ..
من أكثر الأشياء التي جعلتني اتوقف عند هذه الشخصية هو قدرة هذا الإنسان على صنع الجمال اللفظي ليس في الكتابة التي تعد من مواهبه المتعددة بل حتى في احاديثه العامة مع الآخرين فهو ينتقي الفاظه بعناية وبدون تكلف. شجعته على مواصلة الكتابة الأدبية وممارستها يومياََ وانا على ثقة أنني سأرى لهذا النجار تحفة أدبية يوماََ ما ستدهشني كما ادهشني جميل تصاميم الخشبية.
البحث عن الجمال يوصلك له وصنعك للجمال ونشره ينعكس على جمالك الداخلي فكما يقولون «كن جميلاً ترى الوجود جميلاً».
ان تتأمل في حياتك وعزلتك وذلك الخوف الذي بدأت به الأزمة ثم الضجر بسبب عدم التعود على البقاء ومع ذلك ترى أن هذه الفترة بها من الجمال ما يهون صعوبتها بل وأكثر من ذلك أن تحاول البحث عن مواطن الجمال الظاهري والباطني برغم كل العوائق التي يمكنها أحياناً تشويه ظاهره فتلك طريقة رائعة تحقق لك الشعور بالرضا والامتنان لما لديك مما أنعم الله عليك.. واخيراََ فإن أجمل ما يقال في كل موضع حين يربط بالله وحيث «ان الله جميل يحب الجمال» لذلك نحن نحب الجمال.