دعوة إبراهيم.. وعالم الملكوت
﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴿75﴾
تتحدث الآيات عن رؤية إبراهيم الخليل لملكوت السماوات والأرض بتوفيق الله عز وجل، وارتباط ذلك بالوصول إلى درجات اليقين، بل وإمكانية رؤية عالم الملكوت للإنسان المؤمن. فرؤية عالم الملكوت يحتاج إلى نظر وتأمل وطهارة الباطن ويحتاج أيضاً إلى توفيق الله عز وجل وإلى الهداية والنور الإلهي كي يرى الإنسان ملكوت الأشياء، «ومن لم يجعل الله له نورا، فليس له من نور»
وإلا فإن نظر الإنسان سوف يقتصر على ظاهر الحياة الدنيا وعالم الملك، ويكون محجوبا عن أنوار الغيب وعالم الملكوت، وليس له حظ أو نصيب من هئا العالم النوراني. بل قد يصل الإنسان من الظلمة أن يكفر بالغيب وبعالم الملكوت وعالم الأمر،، والبرزخ، والمعاد، ويكفر بالخالق عز وجل «وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ»، سورة الأنعام. فهم نتيجة إنغماسهم في الحياة الدنيا، وما ران على قلوبهم من خطايا، أصبحوا غير قادرين على رؤية عالم الملكوت.
«فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ﴿76﴾»، الآيات تتحدث عن خطاب إبراهيم لقومه، فعندما ظهر كوكباً في السماء، قال هذا ربي، أي بمعنى ربي هو خالق هذا الكوكب والمتصرف به. فهذا ربي الذي خلق هذا الكوكب، والمتحكم به، ولم يكن يدعي أن الكوكب هو ربه كما للأسف ذهب كثيراً من المفسرين.
الذي كان يسعى له نبي الله إبراهيم في دعوته ومحاججته لقومه هو أن يؤمنوا بالله عز وجل عن طريق رؤية عالم الملكوت. فكان يدعوهم إلى النظر والتفكر في آيات عالم الملك كالكواكب والشمس والقمر، ليروا من خلالها عالم الملكوت، ولا يقتصر نظرهم إلى عالم الملك. إن الإنسان قد يكون في غفلة عن عالم الملكوت الذي نشأ منه الملك والكون. فكانت دعوة إبراهيم للإنسان أن يرى عالم الملكوت وبالتالي يزداد يقيناً بإيمانه بالله. ولذلك كانت دعوة إبراهيم أكثر شمولية من كثير من دعوات الأنبياء «وأوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم».
الذي يقرأ الآيات التي تتناول قصة النبي إبراهيم يجد أنها تشكل خطاباً من النبي لقومه، فهو يحاول إرشادهم بهذا الحوار، ويجادلهم بشكل غير مباشر ويحاججهم. فالقصة لا تروي قصة حيرة للنبي ، أو تردد في معرفة الخالق، وإنما كانت في مجال الإرشاد والمحاججة مع قومه بشكل لطيف. فلا يمكن الإعتقاد أن النبي كان كافراً أو مشركاً، أو مشككاً في ربوبية الله، ثم اهتدى الى الإيمان بالله. فجميع الأنبياء يولدون على الإيمان بالله، وإنما يزدادون يقيناً وقرباً في الحياة الدنيا.
الإتجاه الأول:
فكلام بعض المفسرين كما ورد في كتاب الميزان الجليل والقيم، أن معنى القصة أن إبراهيم كان في كهف وبعيد عن الحضارة، وأنه تفاجأ برؤية القمر والشمس، فأخذ يقدس هذا ثم ذلك، فيه إشكال كبير، بل نراه بعيداً عن معنى الآيات وهو مجرد فرضية ليس لها قرائن تؤكدها، بل إنها قد تتعارض مع العقل، فكيف لرجل أن يكون عائشا لسنوات في كهف، لا يرى الشمس ولا القمر، ولا يخالط الناس ولا الحضارات. أو بمعنى آخر، أنه كان رجل الكهوف، وهذا مستبعد جداً، فكيف لرجل الكهوف أن يتكلم لغة الناس ويحاججهم، بالإضافة أن فيها إضعاف لموقف النبي.
الاتجاه الثاني:
وهناك بعض المفسرين اتجه أن إبراهيم كان يدعي ربوبية الكوكب، ثم القمر، ثم الشمس، فإن كان ظاهره كذباً، ولكنه يريد من ذلك هداية قومه. وهذا أيضاً يتنافى مع قيم الأنبياء وأخلاقهم، بل كيف يهدي إلى الحق باستخدام الكذب والباطل. فهذا ينافي العقل والمنطق والعقل. وحاشى للنبي الكذب. إذاً، لقد احتار كثير من المفسرين في شرح وتفسير هذه الآيات.
الاتجاه الثالث:
وبعض التفاسير تتجه إلى إبراهيم كان في مرحلة البحث والإستدلال لمعرفة الله. فكان يرى الكوكب فيقول هذا ربي، ثم يستدل بأفوله على أنه ليس بدائم وبالتالي ليس برب، وهكذا. ولكن هذا الاتجاه وإن أضفينا عليه صفة البحث والاستدلال، لا ينفي أنه يستبطن الشرك مع الله، أو أن النبي والعياذ بالله لم يكن يعرف الله، فضلاً على أن يكن عابداً له في فترة من الفترات. ولو جوزنا ذلك، فلا يجب أن ننكر على عبدة النجوم والشمس والقمر، باحتجاج أن إبراهيم والعياذ بالله كان يعبدها ولو لساعة من نهار. فبطلان هذا الرأي واضح.
الاتجاه الرابع:
وهناك تفسير كما ورد في تفسير نور الثقلين عن الإمام الرضا أن قول إبراهيم «هذا ربي» هو بصيغة الإستفهام والاستنكار عندما مر بقوم يعبدون النجوم والشمس والقمر. فكان يستنكر عبادة هذه الأجرام السماوية لأنها زائلة وغير دائمة. وأنه بفضل الله وهدايته لم يكن من الضالين.
إن إبراهيم كان يشير إلى الكوكب، وإلى القمر، وإلى الشمس، على أنها مظاهر تجلي الأسماء والصفات، لا أنها تمتلك صفات الربوبية، بل إنها مظهرمن مظاهر ربوبية الله عز وجل. فعندما كان يقول «هذا ربي» كان يشير إلى ربوبية الله عز وجل الذي خلقهم وفطرهم، فهذه الآيات هي مظهر تجلي أسمائه وصفاته. كان يريد من قومه أن يروا الله عز وجل، ويروا إرادته، وقدرته، وأسمائه وصفاته، بالنظر إلى هذه الآيات. فكلامه هذا ربي، أي بمعنى أن هذا ربي الذي خلق هذه الكواكب والنجوم، هذا ربي المتصرف والمحرك لهذا الأجرام السماوية، هذا ربي الذي أنعم علينا بها. هذا ربي الذي يملك هذه القدرة المطلقة التي لا تظاهيها قدرة أي مخلوق أو أي صنم. فهو أحق بالعبادة.
ولم تكن إشارته بهذا ربي إلى الكوكب أو القمر أو الشمس بحد ذاته، وإلا كان مشركاً بالله. وكيف يدعوهم إلى الله عز وجل وهو يدعوهم إلى أن يشركوا به. وكذلك لو كان إبراهيم متخبطاً بمعرفة ربه، فهو ليس جديراً بالاتباع، وكيف لله عز وجل أن يبعث رسولاً لا يعرفه أو لا يؤمن به، أو مشككاً في ربوبيته. ولكنه كان ثابتاً راسخاً في معرفة الله، فهو من أولي العزم، وكان يريد لقومه أن يروا الله عن طريق رؤية آثاره ومخلوقاته «فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ».
ولذلك الآيات تذكر عندما أشار إبراهيم إلى الشمس قال هذا ربي، ولم يقل هذه ربي. ولقد احتار كثير من المفسرين في شرح هذا الإشكال، لأن الشمس مؤنث، وبالتالي كان يجب أن يقول هذه ربي. فبعض المفسرين يرى أن إبراهيم كان مخطئاً لغوياً لأنه كما يفسرون الآيات، أنها كانت المره الأولى له لرؤية الشمس. ولو افترضنا جدلاً أن إبراهيم كان مخطئاً لغوياً، ولكن صياغة الآيات من رب العزة والجلال لا يمكن أن تحتمل الخطأ اللغوي. فالقرآن نقل كثيراً من الخطابات على ألسن الأنبياء والصالحين، بل حتى المشركين والشياطين، أو الحيوانات والحشرات والجمادات، ومع ذلك فالقرآن لم يلحن أو يخطئ لغوياً بحجة لحن أو خطأ المتحدث. إذاً فالصياغة القرآنية لا يمكن أن تحمل اللحن أو الخطأ اللغوي ولو كان الخطاب عن متحدث بشري أو غير بشري.
وفي المقابل نرى إبراهيم في خطابه مع نمرود عن الشمس أنه استخدم صيغة المؤنث ﴿قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ سورة البقرة. وهذا يدل على أنه لم يكن هناك أي لحن في الآيات سابقة الذكر. فإبراهيم في خطابه مع النمرود كان يشير إلى الشمس ولذلك إستخدم صيغة التأنيث، ولكنه في خطابه مع قومه في قوله هذا ربي، كان يشير إلى الله عز وجل خالق الشمس ومسخرها «فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي»، ولم يكن يشير إلى الشمس أنها ربه، ولذلك إستخدم صيغة المذكر.
﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ﴾ إن إبراهيم في خطابه «هذا ربي» كان يشير إلى الله عز وجل بالنظر إلى آياته وقدرته وتجلياته ولذلك استخدم صيغة المذكر، فلم يشأ أن ينظر قومه إلى الشمس نظرة التقديس والربوبية، بل أن يروا الله عز وجل خالقها ومدبرها، فيقدسوه ويعبدوه.
ولكن في خطابه «فَلَمَّا أفلت» كان يشير إلى الشمس ولذلك استخدم القرآن صيغة التأنيث، وقصوره عن أن يملك أي شيء من صفات الربوبية، فهو محض العجز والنقص، وأن هذا الجرم السماوي، نتيجة قصوره، محتاج لخالق ورب يسخره ويقدره ويدبره.
ومن جهة أخرى فإبراهيم كان يبحث عن درجة أعلى من اليقين، ومرتبة أسمى من القرب، فكان يبحث عن تجلي الإسم الأعظم، وتجلي أكثر إظهاراً للأسماء والصفات. ولكن هذه الآيات عاجزة عن أن تظهر تجلي الإسم الأعظم، أو أن تظهِر صفات الكمال لله عز وجل وتجلياته، ولكنها تظهِرمن الأسماء والصفات بقدرها ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ فهذه الأجرام السماوية على عظمها، هي أعجز عن أن تظهر كمال صفات الجمال والجلال، فضلاً عن أن تكون مرآة الإسم الأعظم ومظهره له.
فإبراهيم كان يريد من قومه أن يروا عالم الملكوت، وليس فقط الاقتصار على عالم الملك. فعندما يروا الأجرام السماوية، أن لا يقتصر نظرهم إلى المادة وعالم الملك، بل أن يروا المتحكم بهذا العالم ونشأته وحركته وبقائه، وهو الله عز وجل. وعالم الملكوت هو مظهر تجلي أسماء الله وصفاته كالخالق الرازق المدبر وهكذا.
عندما كان قومه يعبدون أصناماً يصنعونها بأيديهم، أشار إليهم لينظروا إلى الأجرام السماوية، والتي لا تخفى عن جميع البشر، كالكواكب والشمس والقمر. فجميع البشر يستطيع رؤية هذه الأجرام. والشيء الآخر، فإنه لا سلطة للبشر على هذه الأجرام، لا يستطيعون أن يتحكموا فيها أو يتسلطوا عليها بأي شكل من الأشكل، مثل ما يتسلطوا على الجبال والبحار والأنهار والأشجار. لذلك عندما احتج إبراهيم على النمرود، قال له أن يأتي بالشمس من المغرب.
فهذه الأجرام السماوية أعظم حجماً من الأصنام التي يقدسونها، وأكثر تأثيراً على البشر، فبالنجوم يهتدون، وبالشمس والقمر يستضيئون، ويعرفون الليل والنهار. فهذه الأجرام من أعظم آيات الله الظاهرة، فكان يدعوهم إلى أن يتفكروا في آيات الله، وأن يعرفوا قدرة الله عز وجل، ويستدلوا على وجوده وربوبيته عن طريق رؤية الآيات، فيؤمنوا به ويقدسوه، لا أن يعبدوا الآيات ويقدسونها من دونه. النبي كان يريدهم ليعبدوا الخالق الذي أوجد هذا الكون، بدلاً من عبادة المخلوق. فالخالق ظاهر بتجلياته وآياته، أما ما يقدسون من أصنام هي مجرد أوهام لا تضر ولا تنفع ﴿لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن﴾.
﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴿77﴾ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ ﴿78﴾
لم يكتفي إبراهيم بآية الكوكب، بل لفت إنتباههم إلى آية أكثر وضوحاً وهو القمر. فلقد تدرج إبراهيم في الإحتجاج بالآيات من الأقل ظهوراً وهو الكوكب، فالقمر، ثم الأكثر وضوحاً وهي الشمس. فاحتج بآيات ظاهرة لكل البشر، وباقية ما بقي الدهر، وليس للإنسان عليها أي سلطان، وتدرج بالاحتجاج لكي تكون حجته أبلغ وأكثر تأثيراً للنفس، ومحركة للتفكير والقلب.
لقد فاجأ إبراهيم قومه بعبادة وتقديس خالق الكوكب لعظيم خلق الكوكب. ولكن عندما غاب وأفل الكوكب، قال إنه لا يحب الآفلين. فهو يشير إلى نقص في الكوكب على إظهار كمال الصفات الإلهية، وعظيم التجلي الربوبي، وليس نقص في الخالق. فهو عندما يلفت إنتباههم إلى ربوبية خالق الكوكب، ينفي هذه الربوبية أو أي شي منها عن الكوكب. فالكوكب يعتريه النقص والأفول والغياب، فلا يمكن أن يكون رباً لأن الرب لا يمكن أن يغيب عن مخلوقاته، ولا يعتريه النقص والأفول. فإذا كنتم تقدسون وتعبدون الأصنام، فهي لا تستحق العبادة، ولا يمكن أن تكون أرباباً لأنها ليست دائمة الوجود، وليست دائمة الظهور في كل الأوقات والأزمنة والأماكن، بل هي ظاهرة العجز والقصور.
ثم لفت أنتباههم في يوم آخر بأنه وجد آيه أكثر إظهاراً لأسماء الله وصفاته، ومظهر لتجلي رب الكون الذي يريدهم أن يبحثوا عنه، وهو القمر لأن القمر أكثر تجلي وظهور من الكوكب. فهو يشير إلى خالق القمر بأنه هو ربه، وكأنه يشير إلى خالق آخرغير خالق الكوكب، ولكن في الحقيقة كان يشير إلى نفس الخالق.
عندما أفل الكوكب أو القمر أو الشمس وقال إبراهيم ﴿لا أحب الفلين﴾ هو يوضح لقومه رفضه لتعدد الآلهة. فهو ينفي وجود آلهة متعددة متفاوته في الظهور والقدرات، بل يؤكد أن للكون إله واحد مطلق، وهو الذي له ملكوت السماوات والأرض، وهو خالقها ومدبرها وإليه المصير. فإبراهيم لفت إنتباههم أنه لا يمكن أن يكون هناك أكثر من خالق، بل خالق ورب واحد. لذلك أوحى إليهم بمعنى كلامه أن ربه هو خالق القمر، لأن آية القمر أكثر ظهور وتجلي من آية الكوكب، فهو يرفض التعدد في الآلهة أو الأرباب. فخالقه هو الأعظم تجلي، ولا يمكن أن يكون هناك أكثر من خالق ورب واحد.
بالإضافة إلى ذلك، لفت انتباههم إلى المفاضلة في تشخيص الآلهة والأرباب على حسب القدرة والظهور والسلطة والخالقية والصفات التي يملكونها. فآية القمر هي أعظم تجلي للإله من آية الكوكب. لذلك عليهم أن يفكروا في ما يعبدون أو يقدسون، وماذا قدمت هذه الأصنام ليعبدوها، وما هي الصفات التي تملكها، وهل تستطيع هذه الأصنام أن تخلق شيئاً، أو هل تملك ضراً ونفعاً لأهل الأرض. وهل لهذه الأصنام آيات أو مخلوقات تملك التصرف بها، أو أن هذه الأصنام دائمة البقاء لا تأفل ولا تزول، أو أنها صرف النقص والحاجة، والضعف، فهي لا تضر ولا تنفع.
فعندما أفل القمر ﴿قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾. فهو لا يزال يبحث عن خالق دائم التجلي والوجود. فهذه الآية العظيمة وهو القمر يعتريه الأفول والنقص. فأين أجد ربي إلى أفل القمر، وكيف أقدسه وأعظمه وأعبده. وكذلك يشير أيضاً إلى نقص وعجز القمر، فهو جرم سماوي لا يملك القدرة على البقاء، فهو لا يستحق التقديس في ذاته. ولكن إبراهيم مازال يبحث عن وجه لهذا الخالق، أو مظهر لتجليه يتوجه إليه ليعبده ويقدسه.
كان يحاججهم بالمقابل إن كانت الأصنام تملك القدرة على صنع أي شيء، أو أنها خلقت شيء من السماوات والأرض، أو أنها تنفع أو تضر. كان عبدة الأصنام يدّعون أنها تملك القدرة على النفع والضر، ولكن بالنظر إلى عالم الملكوت فإن هذه الإدعاءات مجرد أوهام، وهذه الأصنام لا تملك أي شيئ في عالم الملك، فهي أعجز عن القدرة في عالم الملكوت. عندما حطم إبراهيم الأصنام، أثبت لهم عجز الأصنام في عالم الملك، وأن تملك دفع الضرر عن نفسها، فكيف لها أن تملك القدرة على الكون أو على عالم الملكوت.