آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 10:22 م

هل المنظومة التعليمية تشجع على القراءة؟

ابراهيم الزاكي

يرى البعض، أن ظاهرة العزوف عن القراءة، وعدم تقدير قيمة المطالعة، هي في الحقيقة مشكلة بنيوية. ويُرجِعون أسبابها إلى المنظومة التعليمية، والنظام التربوي القائم، أو بالنسق الثقافي السائد في مجتمعاتنا، والذي لا يُشجع ثقافة المطالعة، ولا يعتبرها من الفضائل التي يُجزى عليها الإنسان بالأجر والثواب، حيث لا يُولي هذا النظام/النسق الاهتمام اللازم لنشر وتعميم ثقافة القراءة وحب المعرفة بين الناشئة، سواء كان ذلك في البيت، أو في المدرسة، بل هو على النقيض من ذلك نظام طارد لهذه الممارسة، ومُنفِّر لفعل القراءة، وحُب المطالعة.

فكم هي نسبة التلامذة الذين يقرأون حين يعودون إلى بيوتهم بعد يومهم الدراسي؟

يصعب الحصول على احصائيات وأرقام، أو نسب دقيقة حول هذا الأمر. إلا أن ظواهر الأمور تشير إلى تدني مستوى المطالعة، فهي نسبة ضئيلة جداً، إن لم تكن معدومة. وهو ما يُحمِّل النظام التربوي والتعليمي قسطاً من المسؤولية عن هذا الضعف والتردي، نتيجة عدم وجود الخطط والبرامج التي تشجع على الاهتمام بالقراءة وتنميتها.

فالتلامذة غالباً بمجرد خروجهم من المدرسة، وبعد يوم طويل مملوء بالحصص والمواد المختلفة، يتوجهون مباشرة إلى ألعابهم الإلكترونية، أو إلى قصص ومسلسلات أفلام الكرتون على التلفزيون، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، أو يتجهون إلى اللعب من خلال الألعاب الإلكترونية التشاركية على الإنترنت مع الأقران، حيث يجدون فيها متعتهم وتسليتهم.

وحتى نتيقن مما نقول علينا أن نسأل أنفسنا كيف قضى تلامذة المدارس أوقاتهم واستثمروها بعد تعليق الدراسة جراء انتشار فيروس ”كورونا“، وما تلاه من منع للتجمعات في الأماكن العامة، وإيقاف الفعاليات المختلفة، وإغلاق المجمعات التجارية، وفرض حالة الطوارئ، ومنع التجوال، والإقامة الإجبارية في المنازل؟

والحق أن أغلب التلامذة لا يقرؤون سوى الكتب المقررة عليهم في المدرسة، من أجل حل الواجبات والتدريبات المكلفين بها، وبهدف النجاح في الاختبارات الفصلية والنهائية. ويزيد الطين بلة أنهم يهجرون كتبهم المدرسية تماماً عند حلول عطلات نهاية الأسبوع والإجازات الصيفية، حيث لا يجدون أنفسهم مضطرين للقراءة مرة أخرى.

أما القراءات الحرة فليست من ضمن اهتماماتهم على الإطلاق، وليست جديرة بالاهتمام كما يرون. فالقراءة في نظرهم أمر يخص أداء الواجبات المدرسية، وليست للمتعة والترويح عن النفس، لأن المتعة تتحقق لهم من خلال أفلام الكرتون، وألعاب الفيديو، أو الألعاب الإلكترونية على الإنترنت.

ولعل أحد مظاهر عزوف الأجيال الناشئة عن القراءة، وعدم إعطائها ما تستحق من اهتمام، ويُبيِّن مدى ضعف اهتمامهم بالعلم والمعرفة، هو أيام الامتحانات النهائية، حيث ترى الكثير من التلامذة يحتفلون لحظة الانتهاء من الاختبار بوداع كتبهم من خلال تمزيقها وبعثرتها داخل الفصول، وفي ساحات المدرسة، وعلى أسوارها الخارجية. لكون الكتب في نظرهم مقترنة بالواجب والاستظهار والحفظ القسري.

وعلى صلة بهذه الفكرة يشير المحاضر في جامعة الملك سعود، المتخصص في اللسانيات اللغوية، الأستاذ ”يحيى القبيسي“، إلى "أن المشكلة القديمة الجديدة، في كل عام في التعليم العام، حيث تجري المناهج بمختلف تخصصاتها على جميع معارف ونظريات العلم منذ نعومة الطفل حتى تخرجه شاباً من الجامعة، لا في الجامعة غالباً. ويضيف رغم أننا درسنا وندرس مقرراً يسمى مقرر القراءة، أو المطالعة، في جميع المراحل باستثناء بعض فصول المرحلة الثانوية، لكن ماهي الحصيلة؟

ويلفت القبيسي إلى أن الطالب يتخرج اليوم من الثانوية ولم يقرأ كتاباً واحداً قراءة كاملة، أعني كتاباً حراً غير المقررات. ولن أبالغ إذا قلت إن معظم طلاب وطالبات الجامعة يتخرجون أيضاً وهم لم يكملوا قراءة كتاب غير مصادر ومراجع المقررات الجامعية. فما السبب؟ أليست القراءة مهمة؟ وهل القراءة ترف؟

ويؤكد القبيسي أن القراءة وحدها تبني العقل البشري بطريقة مختلفة جداً، بل تفوق مئات المحاضرات التي يتلقاها في الجامعة، أو في مجالس العلم بمراحل. ويرى بأن الحل يبدأ بالعمل على مستوى الأسرة والمدرسة والجامعة بخطوات إجرائية ممنهجة تهدف إلى التغيير الجذري من خلال الارتكاز على مبدأ أساسي هو تحويل القراءة من حلم إلى فعل، ومن فعل إلى عادة". «1»

إن خلق جيل قارئ ومفكر يتطلب من الجهات المسؤولة عن التعليم صياغة مناهج تربوية وتعليمية تغرس في الناشئة حب القراءة والتشجيع عليها، وإبداع السبل التي تشجعهم على ذلك، والعمل على تأسيس مبادرات جادة تعمل على تعزيز ثقافة المطالعة في المدارس، من خلال تخصيص حصص للقراءة، وإقامة مشاريع وورش ومسابقات تشجع هذا التوجه، وتحفز التلامذة على المطالعة، والأهم من ذلك كله هو وجود معلمين وأساتذة مؤهلين وأكفاء يقودون هذه المهمة.

p>1 - كيف نجعل القراءة لدى الاطفال عادة وليست هواية؟ تحقيق هدى السالم. جريدة الرياض. 27/12/2012