الثبات الانفعالي دراسة وتحليل ”1“
يتفاعل الإنسان مع مجريات الحياة من حوله، فمنها ما يكسبه الهدوء والطمأنينة، ومنها ما يُثير انفعالاته وغضبه، وهنا يتمايز الناس، فمنهم من يمتلك زمام نفسه ويتحكم بانفعالاته، ومنهم من يستجيب للانفعالات فيثور غضباً على من حوله.
ويطلق العلماء على من لديه القدرة على التحكم في انفعالاته، ويُحافظ على الهدوء والاتّزان مهما كانت الضغوط المحيطة به بأنه يمتلك «الثبات الانفعالي»؛ وأما من يفتقد لتلك القدرة فهو فاقدٌ «للثبات الانفعالي».
وقد يكون الثبات الانفعالي مَلكة ربانية وسِمة شخصية في الإنسان، وقد تكون مهارة مكتسبة لديه نتيجة تعاهد الإنسان لذاته، وحملها على الثبات في مواطن الانفعال والغضب.
وهنا تأتي الأحاديث والرواية الشريفة لتحث الإنسان المؤمن على التحلي بمكارم الأخلاق، ومن أعظم تجليات مكارم الأخلاق أن يمتلك الإنسان سِمة «الثبات الانفعالي» وهي ترادف سِمة الحِلم التي تحث عليها الشريعة الإسلامية الغراء وتصفها بأسمى معاني الوصف؛ [فهذا أمير المؤمنين يقول: ﴿الحلم تمام العقل﴾، ويقول : ﴿الحلم غطاء ساتر والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك﴾ وإذا كانت سِمة الحلم ليس سجية عند الإنسان، فإن الإمام علي يوجه هذا الإنسان إلى التحلّم، يقول : ﴿إن لم تكن حليماً فتحلّم، فإنه قلَّ من تشبّه بقومٍ إلا أوشك أن يكون منهم﴾ ”ميزان الحمة؛ محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 686“.
وسِمة «الثبات الانفعالي» على النقيض تماماً لحالة الغضب والانفعال؛ وهنا نجد أن الأحاديث والروايات الشريفة جاءت لتؤكد لنا قبح هذه السِمة وتدفع بالإنسان المؤمن لتجاوزها وامتلاك زمام نفسه؛ [يقول رسول الله «صلى الله عليه وسلم»: ﴿ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب﴾؛ ويقول أمير المؤمنين : ﴿ضبط النفس عند حادث الغضب يؤمن مواقع العطب﴾؛ ويقول الإمام الصادق : ﴿من لم يملك غضبه، لم يملك عقله؛﴾ ”ميزان الحمة؛ محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 2266“.
ولا يخفى على ذي لُب كم للانفعال والغضب من أضرار على الإنسان الغاضب نفسه قبل غيره، فقد تصيبه حالات الانفعال بالأمراض الجسدية كالضغط والسكري والصداع المستمر؛ كما قد تُفقده القدرة على التفكير بصورة سليمة؛ وقد يتسبب الانفعال الشديد في العمى المفاجئ نتيجة لتعرض الأوعية الدموية في العين لضغط شديد؛ كما يؤثر ذلك على الإنسان اجتماعياً فيفقد حب من حوله ويخلق له العداء مع الآخرين.
وهنا نتساءل:
- لماذا ينفعل الإنسان ويغضب؟
- وما علاقة «الثبات الانفعالي» بوعي الإنسان؟
- وما هو دور العقل الباطن «اللاواعي» في ترسيخ سِمة «الثبات الانفعالي» او فقدانها؟
- وكيف يمكن معالجة من يفقد سِمة «الثبات الانفعالي»؟ - وكيف تتحول سِمة «الثبات الانفعالي» إلى استراتيجية حياة؟
- هذه الأسئلة أناقشها تفصيلاً في المقالات القادمة فكونوا معي.