مع شخصيات الفكر والأدب - علي محمد عساكر «5»
أشرت في الجزء الأول من هذه المبادرة إلى أن الكاتب الأستاذ علي محمد عساكر قدم عدة برامج تلفزيونية عبر عدة قنوات فضائية، كما شارك في بعض البرامج الأخرى.
وفي جزئنا الخامس هذا سأحاول التعريف بأول برنامج قدمه عبر هذه القنوات، وهو برنامج «إشراقات عقائدية» الذي تم تسجيله وبثه عبر «قناة الأنوار الفضائية» سنة 1430 هـ 2009م وسأكتفي في التعريف به بنقل حوار دار مع مقدم البرنامج نفسه.
فبعد أن تم بث الحلقة الأولى من البرنامج، تمت استضافة عساكر في «منتدى الأحساء الثقافي» في حوار معه عن البرنامج، ثم توسع ليتحول إلى حوار مفتوح حول عدة مواضيع، وذلك في شهر ربيع الأول من عام 1430 هـ 2009م.
كانت الأسئلة الأولى حول برنامج «إشراقات عقائدية» وقد تنوعت ما بين السؤال عن طبيعته، وأهدافه، وكيف انبثقت فكرته... إلى أمور أخرى كثيرة متعلقة بالبرنامج، أجاب عليها عساكر في تلك الاستضافة.
وسأكتفي في التعريف بنقل بعض ما جاء في هذه الاستضافة من أسئلة عن هذا البرنامج، أجابها عساكر، محاولا التركيز على ما يساعدنا على التعريف به، وأخذ صورة واضحة المعالم عنه، دون بقية الأسئلة الجانبية الأخرى، أو الأسئلة التي لا علاقة لها بالبرنامج، وكذا دون نقل كلمة المنتدى الافتتاحية، أو كلمة عساكر التقديرية، قبل أن يبدأ الإجابة على ما تم طرحه من أسئلة، مع ملاحظة وجود بعض التعديلات الطفيفة جدا، كتعديل صياغة جملة، أو تقديم مقطع أو سؤال على سؤال، دون أن يمس ذلك بجهور الإجابة أبدا، وعلى الإطلاق.
فحسب متابعتي المتواضعة أرى أن البرامج التي قدمت عبر القنوات الفضائية لم تخرج عن الإطار التقليدي، المتمثل في ذكر القضية العقائدية المعينة، وبيان معناها، ومن ثم الاستدلال عليها، كما أنها لم تخرج عن المألوف، وتناول المواضيع المتكررة، كالعصمة والإمامة، وأمثالهما.
أما برنامج «إشراقات» سيكون - كما آمل من الله تعالى - جديدا في بابه، مختلفا عن البرامج التي سبقته، خصوصا في المادة المطروحة، فهو لن يتناول مجموعة من القضايا العقائدية المنتقاة من هنا وهناك لطرحها ومناقشتها، وإنما هو يقوم على دراسة عقائدية شاملة متكاملة، ومتسلسلة ومتدرجة في إعطاء النتائج، فكل حلقة سابقة تمهد للحلقة اللاحقة، وكل حلقة لاحقة مكملة للسابقة.
ولعل من أهم ما يمتاز به هذا البرنامج هو خروجه من نطاق المذهبية المحدود الضيق، إلى فضاء الإسلام العام الواسع، فكأنما هو يقدم الرؤية الإسلامية للدين في مقابل الرؤية المادية، وذلك لأنه يسلط الضوء على موقف الإلهيين والماديين المتناقض من الدين، ويبين أهم الفوارق في ذلك، مقرونة بالمناقشة والتحليل، ومما سيتطرق إليه هذا البرنامج على سبيل المثال:
1 - أيهما الطارئ وأيهما الأصيل في حياة الإنسان: الدين أم الكفر؟
2 - ما هي عوامل ظهور الشرك والكفر في الحياة؟
3 - ما هي قيمة الدين في حياة الإنسان بين الإلهيين والماديين؟
4 - ما هي الفائدة من وراء دراستنا للدين، وهل هناك أسباب حقيقية تدعونا لذلك؟
5 - ما هو مفهوم الدين في اللغة والاصطلاح، وما الذي يترتب على هذا المفهوم؟
6 - ما هي أهم الأصول التي يرتكز الدين عليها، وما حكم من أنكر أصلا منها؟
7 - ما هو مفهوم القاصر والمقصر، وهل هناك فرق بين من ينكر الدين أو بعض قضاياه عن قصور، وبين من ينكره عن تقصير؟
8 - ما هي أهم الفوارق بين الدين والشريعة؟
9 - بما أن الدين واحد فلماذا تعددت الشرائع؟
10 - ما هي أهم النظريات حول نشأة الدين، وظهوره في حياة الإنسان؟
وفي هذا المحور سيتم عرض أهم النظريات حول نشأة الدين، وظهوره على مسرح الحياة، مثل: نظرية توارث العقيدة، ونظرية الخوف، ونظرية الجهل، والنظرية الاقتصادية «الماركسية» والنظرية القرآنية، التي تعزو الدين إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها، إلى غير ذلك مما سيتناوله هذا البرنامج من سائر القضايا والمواضيع.
وأما منهجية الطرح فستكون مرتكزة على الدراسة المقارنة بين المدرسة الإسلامية والمدرسة المادية في النظرة إلى الدين والموقف منه، فيستعرض آراء المدرستين، ويقوم بمناقشتها مناقشة موضوعية، مرتكزة على الدليل والبرهان، وقرع الحجة بالحجة، وقطعا سيكون ذلك مع محاولة الانتصار للدين، ولكن ليس من منطلق عاطفي أو تعصبي، وإنما من خلال محاولة بيان ما في الفكر الديني وأدلته من أصالة وعمق، وتوضيح ما في موقف الفكر المادي السلبي من الدين من ضعف وتهافت، ولجوء إلى السفسطة، والمغالطة في الحقائق بما يوهم بالاستدلال الصحيح.
1 - محاولة تقديم دراسة دينية عقائدية في ثوب جديد، يخالف المألوف والمعروف.
2 - محاولة تفنيد شبهات الماديين حول الدين، وبيان ضعفها وتهافتها، وإثبات بطلانها بالدليل والبرهان.
3 - محاولة إثبات أصالة الدين، وتوضيح مدى انسجامه مع الفطرة الإنسانية، وبيان قوة منطقه، ومتانة حججه وبراهينه.
4 - إثراء فكر الشباب، وإنارة عقولهم، بالفكر الديني الأصيل، ومحاولة القضاء على كل ما يختلج في نفوسهم من شك وحيرة حول الدين والإيمان.
5 - تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة عن الدين.
وربما مما شجعني أكثر على اتخاذ هذه الخطوة، والإقدام عليها، أنني كاتب، أو على الأقل أحاول أن أكون كاتبا.
وكما يعلم الجميع فإن الكتابة مشروع كأي مشروع آخر، وكل مشروع من أجل أن ينجح ويؤتي ثماره، يحتاج إلى وسيلة إعلامية تعرّف به، وتجعل الناس يتفاعلون معه، وإلا سيكون نصيبة الفشل والخسران.
وإذا أتينا إلى مشروع الكتابة، ففي وجهة نظري القاصرة أن من أهم العوامل المساعدة على التعريف به، والتي من شأنها أن تحقق له النجاح، هو أن يعرف الناس الكاتب، ومدى قدراته، لأنه مع جهلهم بذلك لن يندفعوا لشراء مؤلفاته «التي ما ألفها وطبعها إلا من أجل أن ينشرها» وأما سبب عدم اندفاعهم نحو الشراء، فهو جهلهم بالكاتب، مما يجعلهم غير مطمئنين لمستوى تلك المؤلفات، وقيمتها العلمية، وإذا لم يقدموا على الشراء، وتكدست المؤلفات عند المؤلف، فهذا يعني أنه فشل في مشروعه، حتى لو كانت مؤلفاته تضم من الفكر والعلم ما لا يقدر بثمن، إذ ما فائدة ذلك، وهو محبوس في بطون الكتب؟!
وفي تصوري أنه لا يمكن لأي شخص أن يبرز قدراته ويظهرها للآخرين، «سواء في مشروع الكتابة أو غيره من المشاريع» ما لم يكن واثقا في نفسه، وفيما يملكه من تلك القدرات، أما إذا كان فاقدا للثقة، فإنه سينطوي على نفسه، ولن يتجرأ على تقديم ما عنده للآخرين.
وعليه فإنه إذا كان الكاتب مدركا أن الكتابة مشروع كسائر المشاريع، لأنه لا يكتب لنفسه وإنما للآخرين، وهو مع ذلك اثق في طاقاته ومواهبه الكتابية، فإن ذلك الإدراك، وتلك الثقة سيدفعانه دفعا قويا إلى التعريف بشخصيته وبنتاجه، ولا سبيل له - حقيقة - إلى هذا التعريف إلا عن طريق الإعلام المقروء والمسموع والمرئي على حد سواء، خصوصا إذا كان يجمع مع موهبة الكتابة قدرة الكلام والبيان، فحينها لابد له أن يكتب وينشر ويتكلم في المحافل، وفي القنوات المسموعة والمرئية، وهو بهذا - أولا - يقدم خدمة لدينه ووطنه ومجتمعه من خلال كتاباته ومحاضراته ومحاوراته، وثانيا يحقق لنفسه الحضور الإعلامي الذي يمكنه من التعريف بنتاجه، مما يساعده على طبعه ونشره وهو مطمئن، ولا أقل من أن يأمل ويرجح الناج في مشروع الطباعة والنشر، خصوصا في حال وفقه الله ونجح في ذلك الحضور، وكسب رضا الناس عما يقدمه بلسانه وبنانه.
ولعل إيماني بهذه الفكرة، التي أعتقد أنه يتفق معي فيها الجميع، أو على الأقل يشاركني فيها الكثيرون، كنت أنشر ما أكتب، وأحاول أن أستفيد من أي تقييم أو نقد له، يساعدني على تطوير قدراتي الكتابية، ثم توجهت إلى الإعلام على أمل أن يحقق الله لي في البيان والبنان معا التوفيق والنجاح، وما ذلك على الله بعزيز.
وبفضل الله وتوفيقه فقد نجحت هذه الدورة نجاحا كبيرا، وتفاعل معها الملتحقون بها من الجنسين تفاعلا ممتازا، حتى وصلتني بعض رسائل الشكر والتقدير من عدد لا بأس به من الإخوة والأخوات، والحمد لله على ذلك كثيرا.
ونظرا لما لمسته من نجاح وارتياح لهذه الدورة، راودتني فكرة تقديمها من خلال القنوات الفضائية، علني بذلك أنال قصب السبق في تقديم هذا النوع من الأطروحات، بهذا النوع من التجديد، ولكن - للأسف الشديد - اعترضت طريقنا في تقديمها بهذه الطريقة بعض العقبات، فتم تعديل الفكرة، وتغيير الطريقة لتكون كما هي عليه الآن.
ربما كان شعوري مزيجا من الفرح والتحدي، أما الفرح فليقيني أني وضعت قدمي على بداية طريق تحقيق بعض أهدافي وطموحاتي في تقديم خدمة دينية وثقافية على نطاق أوسع مما أنا محصور فيه من نطاق ضيق لا يتجاوز مجتمعي.
أما التحدي فربما هو نتيجة ما تفضل الله به علي من وعي وإدراك بأن فشلي في أول برنامج لن يساعدني على النجاح في الذي بعده، بل قد يحرمني فرصة تقديم برنامج آخر بعده، والأهم أنه قد يقضي على مؤلفاتي، ويفقدها قيمتها، بعد أن أمضيت كل هذه السنوات في تأليفها، أي أن فشلي في هذا البرنامج، يعني فشل مشروعي في الكتابة، والعكس صحيح أيضا.
ولهذا فالذي أظنه أنه لم يكن المهم بالنسبة لي فقط الظهور على القناة، بل كنت أفكر في الكيف أيضا، وقد بذلت جهدي ما استطعت، وكلي أمل ورجاء بأن أكون وفقت في ذلك، ولو بعض التوفيق.
كما أن تخطيطي أن لا أكون محصورا في قناة واحدة فقط، بل أنفتح أيضا على غيرها من القنوات، ونسأل من الله التوفيق لذلك.
ولكن هذا كله مرهون بتوفيق الله للنجاح في هذا البرنامج، وهو ما أسأله منه سبحانه وتعالى.