التزمنا..... فسلمنا
ما أحدثه فيروس كورونا من تحولات في حياتنا يجعلنا مدينينا له فهناك الكثير من الحلول التّي نفتقر لها ونبحث عنها هنا وهنا وربما ننفق الكثير من الأموال لنحظى بها، لكن اليوم في ظل هذا الحدث العالمي الذّي يتشارك فيه جميع سكان الكرة الأرضية وجدنا جانبًا مشرقًا لهذا الوباء الذّي أعاد الأمور إلى مواضعها.
كانت هناك الكثير من الفوضى التّي نعاني منها في حياتنا اليومية سُواء على المستوى الأُسرة والمنزل بشكل خاص أو العام الاجتماعي، خلال ما يقارب ستة أسابيع تقريبًا أي منذُ بداية تفشي جائحة كورونا ومع بدء مرحلة العزل المنزلي ومنع التّجول كأجراء وقائي الذي يعني ”التزم.. فتسلم“ مع هذا القانون الذي طبقناه بدأت نقطة التّحول تشرق في حياتنا اليومية والتّي من أهمها ترتيب أولوياتنا والتّي طالما عانينا من الفوضى فيها، كالدّفاتر المبعثرة هنا وهناك، بحيث لانعرف أولها من أخرها مما يعنى اهمال بعضها وعدم الالتفات إليها أو تصفحها وهذا أدى إلى عملية التراكم للكثير منها.
اليوم فُتِحت جميع الدفاتر وأخذت جُل الأهتمام خاصة العائلية التي أُجلت سابقًا بسبب زحمة العمل وضيق الوقت ومشاغل الحياة، من هذه الدفاتر التّي تصفحناها ولفتت انتباهنا، وقت الإجازة الصّيفية وهي كيف يقضي أبناؤنا الإجازة وكيف نريح دماغنا من مشاكل الفراغ الذي يحصل لأبنائنا فالكل يعاني من هذه المشكلة ويبحث عن الحل لها أما عن طريق الدورات الباهظة الثّمن أو تحمل تكاليف السفر خارج البلاد لأيام معدودة فقط، ناهيك عن الأشياء الآخرى من الفوضى التي تحدث وعدم الانتظام في المأكل والمشرب وساعات النوم بالإضافة إلى إهدار أوقات طويلة في الألعاب الإلكترونية وغيرها من أمور تؤرقنا كأباء وأمهات، فالإجازة بقدر ماهي وقت مستقطع من السّنة للرّاحةِ وتجديد النّشاط بقدر ماهي فترة قلق خاصةً المراهقين فهذه الفترة تمثل منعطف في حياةِ الأبناءِ وبالتالي قلق للأسرِ.
لكن مع منع التّجول و”خليك في البيت“ هناك عدة جوانب مشرقة والتّي منها على صعيدِ الأُسرةِ أصبح هناك التفافًا أُسريًا كبيرًا جدًا واحتواء للأبناءِ أكثر من ذي قبل فأصبحنا أكثر قرب منهم نستمع لأفكارهم وتطلعاتهم نجيب على استفساراتهم نتابعهم في عملية تعلمهم عن بعد
اصبحنا نتعلم معهم الدروس فالكثير أخذ دور المعلم في المنزل ليكمل مع ابنائه العملية التعليمية وشرح الدروس وهذا بدوره أفادنا في استرجاع معلوماتنا السابقة، كما أن متابعة الدّروس عن بعدِ في المدرسةِ الافتراضية التّي أطلقتها الوزارة ساعدت أبنائنا على الاعتماد على أنفسهم في كيفية الوصول للمعلومة والتعلم. وهذا مكننا من مشاركتهم العالم الافتراضي ولكن بالصورةِ الصّحيحة التّي تعود عليهم بالفائدة ِ.
جانب أخر نذكره في المحيط الأُسري، فالكثير يعاني منه وهو أكل المطاعم والوجبات السريعة، والأكل الغير صحي الذي يفضله أبناؤنا على الأكل في المنزل، تغيرت المعادلة مع حظر التّجول أصبح مطبخ البيت من يدي أُمِّي هو المفضل بكل رضى من غير تدمّر ولا شكوى
ناهيك عن اتباع قواعد النّظافة التّي يتعاون كل أفراد الأُسرة في تنفيذها بكل أريحية كإجراء وقائي وهذا يعكس حس المسؤولية في نفوس أبنائنا.
مكتبة الكتب التّي طالما كانت عبارة عن قطعةِ ديكور في زاوية من زوايا منازلنا تعج بالكتب التّي تغطيها القترة ونتحمل مشقة تنظيفها من آن لأخر، أصبحت الآن متنفس للكثير منا ووجهته المفضلة بعد عناء يومًا كاملًا قضاه في متابعةِ أبنائه بين الدّراسة واللعب والفعاليات المنزلية، وذلك بأخذ جولة في عالم الكتب ليبحر بالسفينة في بحر متلاطم الأمواج لتستقر به الموجة على الشّاطئ الرّملي فيأخذ زاوية مستقلة يعيش فيها فسحة قرائية هادئة.
أما على الصعيد الاجتماعي اشرقت جوانب متعددة أهمها المبادرات التطوعية سواء على مستوى الأفراد أو اللجان الاجتماعية التي انطلقت تحت شعار ”كُلنا مسؤول“
ختاما كورونا جعلنا أكثر إيجابية ومنحنا فرصة اكتشاف الجوانب المشرقة في كلًا بنا، فالناس تختبر في مواضع الشدة، حفظ الله وطننا من كل سوء.