العقل والعاطفة
كثيراً ما يُفرق بين العقل والعاطفه وكأنهما نقيضان، وكذلك يُتَّهم المُرهفي المشاعر والأحاسيس بتغليب العاطفة على العقل واللاعقلانية، هذه هي الصورة النمطية عن العواطف ولكن هل هي صحيحة.
العاطفة جزء لا يتجزء من العقل وهما وحدة واحدة لا يمكن الفصل بينهما، والعاطفة تعمل كدافعة وشاحذه للعقل فلها أوضح الأثر وأشده، لايذكر معظمنا من طفولته إلا تلك اللحظات المشحونة بالعواطف التي تبدو وكأنها حُفِرت حَفراً في ذاكرتنا فأبقت أثراً يصعُب إزالته بسهولة، فهل كانت ستكون كذلك لو لا العاطفة التي أبقتها عصيةً على النسيان، وكذلك فيما يخص التعلم واكتساب المهارات كلما كانت هناك رغبةصادقة وعاطفة دافعة كان الأثر أظهر وأوضح، وحتى ما نعانية من خوف هو بالضرورة إنتباه.
لا توجد منطقة واحدة في الدماغ تكون مسؤولة عن العواطف، بل تتوزع هذه المناطق على جميع أجزاء الدماغ، كما أن أكثر العواطف لها مناطق مختلفة من الدماغ لا واحدة، إلا بعض العواطف الأساسية التي يولد الإنسان بها كالحزن والغضب والخوف والتقزز.
الأفراد السايكوباتيين وهم المصابون باضطراب عقلي يتميز بالبرود العاطفي وضعف الوازع الأخلاقي وقلة أو انعدام الندم وعدم الإكتراث بالقيم الأخلاقية ومشاعر الآخرين، ثبت أنهم لا يتوقعون الخطر المحدق عندما يتعرضون له، وعادةً ما تكون حياتهم الإجتماعية مطربة غيرمستقرة بسبب المركزية للذات وانعدام العاطفة الأخلاقية البانية لعلاقات اجتماعية سليمة.
لا ينحصر دور العاطفة في شحذ الوظائف العقلية فحسب بل تمكن صاحبها من فهم نفسه والآخرين والقدرة على المواجدة أي أنه يتمكن من وضع نفسه مكان الآخرين وتلمس أحاسيسهم ومشاعرهم بشكل أفضل ما يتيح له فهم وتفهم لنفسه وللآخرين والعالم من حوله ويكون في مرحلة إدراك ووعي أعلى من غيره، وهذا ما يسمى بالذكاء العاطفي.
ينقسم الذكاء العاطفي إلى أربعة أقسام وهي إدراك العواطف بدقة، فهم العواطف، القدرة على استخدام العواطف لتسهيل التفكير وإعمال العقل، والقدرة على إدارة العواطف، ولهذه الأقسام كبير الأثر على حياة الفرد النفسية والإجتماعية، فالإحساس بالذنب وتأنيب الضمير والخجل بعد ارتكاب أي عمل يضر بالآخر هو أساس تشكل العواطف الأخلاقية، فلوم الذات وتأنيب الضمير أول خط دفاع ذاتي عن الأخلاق وتتفرع عنه العديد من العواطف الأخلاقية المركبة، بل إن تأنيب الضمير قد ينشط عند كسر العادات الإجتماعية والأعراف الأخلاقية، ما يجعل العواطف تساعد على المحافظة على العلاقات الإجتماعية.
فهم العاطفة يفسر بعض الأمور التي قد تبدو غامضة كالحدس أو حكمنا على الأشخاص من أول نظرة، إذ يبدو أنها لا تأتي من فراغ وإنما نتيجة تراكم خبرات، يؤكد دافيد ساندر في كتابه سطوة العواطف هذا المعنى إذ يقول «أن على الرغم من وجود سمات أساسية تولد الطمأنينة عند معظم الناس عند حكمهم على من يقابلوه لأول مرة، إلا أن هناك تجارب خاصة امتزجت بمشاعر معينة ربطها الدماغ لاشعورياً مع ملامح لأشخاص معينين لهم ملامح معينة تؤثر على الحكم الأولي على الناس، ثم يذكر أن الأشخاص أصحاب الملامح الطفولية يُنَشِّطون لدى صاحب النظرة الأولى العاطفة المرتبطة بالأطفال كالجاذبية والرقة والطيبة، ولكن من الجانب الآخر السذاجة والضعف والخضوع»، وهنا يبدو أن للتجربة الشخصية أثر على اتخاذ الأحكام، ولهذا هي غير كافية لإصدار حكم نهائي إذ هي مجرد معلومات ومعطيات أولية ولكنها مفيدة جداً عند نقص المعلومات والحالات الطارئة والمستعجلة وغالباً ما تصدق.
حقيقة كون العواطف والأحاسيس مضللة وأنها تشوش على الإنتباه وتؤثر على قراراتنا وأفعالنا هي غير صحيحة إذا فهمنا أنها معطيات حدسية تلعب دور التنظيم العقلاني لتصرفاتنا، والقرارات التي تتخذ على أساسها غالباً صحيحة وعقلانية.