آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

كلنا مسؤول

عبدالله الحجي *

لقد اتخذت الدولة «كلنا مسؤول» شعارا لاستحثاث وتشجيع المواطنين والمقيمين ليكونوا من المبادرين وعلى قدر عال من الوعي وتحمل المسؤولية للحد من انتشار جائحة كورونا بعد أن اتخذت جميع الاحترازات والاحتياطات لاحتواء هذا الفايروس وقد كانت سبّاقة بمبادراتها في إيقاف العديد من الفعاليات والممارسات - وإن عز على الجميع ذلك - ولكنه يصب في المصلحة العامة. كما أحكمت ولله الحمد سيطرتها على الوضع منذ البداية في وقت تجلى عجز وفشل بعض الدول العظمى التي تفشى فيها الوباء بسبب تهاونها وإخفاقها في التعامل معه بسرعة وحكمة وحزم مما أدى لتزايد عدد الحالات والوفيات بشكل غير طبيعي، محير للمسؤولين وهذا مالا يأمله أحد منا للوصول إليه في وطننا.

من الأمور الصارمة المتخذة للحد من انتشار الفايروس فرض غرامة قدرها 10 آلاف ريال للمخالف لحظر التجول ولم يكن الغرض الرئيس منها تحصيل هذه المبالغ في هذا الوقت العصيب، في وقت كل مواطن/مقيم هو في أمس الحاجة إليها أو لمساعدة أحد أقربائه المتضررين بفقد مصدر رزقهم، أو تقديم الدعم للفقراء والأيتام عبر جمعيات البر. لقد كان فرض الغرامة تحسبا لتلك الفئة التي انعدم لديها الحس الوطني والشعور بالمسؤولية وآلت على نفسها عدم تطبيق الشعار والالتزام بالنظام، ولم تفكر في العواقب الوخيمة عليها وعلى أُسرها وعلى المخالطين من أبناء المجتمع. وهذا ما وجدناه بالفعل في الأيام الأولى بخروج البعض بلا مبالاة ولا اهتمام والقيام بالتصوير والنشر متباهين، ومتعدين على رجال الأمن.

لقد منحت الدولة فسحة في وقت حظر التجول في بعض المدن وراعت فيه مساحة من الحرية والمرونة في بداية الأمر للتركيز على الضروريات ولكن لم يُجدِ ذلك نفعا فأصبح كل شيء لديهم ضروريا ومُهما وشهدت المحلات والشوارع ازدحاما واختلاطا غير طبيعي في خارج أوقات حظر التجول مما أدى إلى الحظر على مدى 24 ساعة مع السماح ببعض الضروريات في نطاق الأحياء. والمأمول أن لانتمادى أيضا في هذه الفسحة والمرونة ونسيء استخدامها سعيا لإيجاد ذريعة وفرصة للخروج من المنزل، فذلك لايساعد في انحسار عدد الحالات والتخلص من حظر التجول في وقت قياسي مستفيدين من التجربة الصينية التي تحسنت الأوضاع لديهم بشكل كبير في غضون ثلاثة أشهر.

نعم إننا لم نعتد على العزلة والجلوس في المنازل والأمر ليس سهلا ولكن الوضع يُحتم علينا الالتزام به والتحلي بالصبر والتكيف معه والنظر إليه بإيجابية. فكم كان الكثير منا يشكو من كثرة انشغالاته في الحياة وعدم وجود وقت فراغ لديه لتنفيذ كل مايريده ويتمناه. هاهو اليوم يعيش نعمة توفر الوقت، فإن كان يتمتع بصحة وعافية فما عليه إلا أن يضع له برنامجا خاصا لاستغلال هذا الوقت ويحسن إدارته بما يزيد من رصيده المعرفي والثقافي والأخروي وقربه من الله عز وجل. فعلى سبيل المثال يمكنه تخصيص جزء من الوقت مع خير جليس «الكتاب المقروء أو المسموع» وعلى رأسهم كتاب الله المهجور من قبل البعض، وجزء من وقته لتنمية هواياته وصقلها واكتساب علوم ومهارات ولغات جديدة عبر حضور الدورات المتعددة، والخوض فيما يحويه اليوتيوب من مقاطع جدا قيمة لتعلم أي موضوع وتحسين المهارات، وإطلاق العنان لفكره وخياله ليبحر في عالم الإبداع في أي مجال يرغب فيه، ولايغفل عن الجانب الرياضي والترفيهي ليضفي شيئا من المتعة والمرح للخروج من دوامة الملل التي قد تنتابه، وغيره من العديد من البرامج التي تتناسب مع كل شخص وميوله ورغباته، ولايغفل عن أسرته وأبنائه ومايناسبهم من برامج.

بلاشك لايمكن التعميم على الجميع بعدم تحمل المسؤولية فهناك ولله الحمد نسبة كبيرة من المواطنين على قدر عال من الوعي وتحمل المسؤولية قد طبقت بكل أمانة شعار «كلنا مسؤول» والتزمت بالعزل في المنازل منذ الأيام الأولى قبل أن يفرض عليها أي قرار فلها خالص الشكر والتقدير لتضحيتها وصبرها وتحملها المسؤولية لتقف وقفة رجل واحد داعمة إخوانهم المضحين بأنفسهم في القطاع الصحي وما يبذلونه من جهود جبارة لعلاج المرضى وإنقاذ الأرواح للعدد الكبير من الحالات يوميا.

«كلنا مسؤول» شعار عام نحتاجه دوما في حياتنا الاجتماعية وليس مقتصرا على هذه الأزمة. إنه شعار لايعرف ولايُقدر قيمته ومعناه إلا من تحرر من الأنانية والمصلحة الشخصية واستشعر المسؤولية والمصلحة العامة واهتم بمن حوله ليكونوا كالجسد الواحد، ويكونوا في سفينة واحدة تُبحر بهم إلى بر الأمان في وقت قياسي بأقل خسائر ممكنة في الأرواح.

ومن النماذج المشرفة لتحمل المسؤولية ماقام به عدد من أئمة بعض المساجد في مدن وقرى الأحساء من تعليق الصلاة فيها تمشيا مع توجهات الدولة قبل إصدار القرار الرسمي بأيام لاستشعارهم المسؤولية والخطر الذي يهدد أرواح المصلين بسبب اختلاطهم. وأيضا يوجد العديد من المبادرات الرائدة التي انبرت في مختلف مدن المملكة مستشعرة الحس الوطني والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن وأبنائه، والتي لايسع المجال لتعدادها.

ومع تلك الجهود لايسعنا إلا نتقدم بخالص الشكر والتقدير لحكومتنا الرشيدة على مابذلته وماتبذله لمكافحة هذه الجائحة، ووقفة شكر وإجلال واحترام لموظفي القطاع الصحي المجاهدين المضحين بأنفسهم، ولجميع الجهات المعنية الداعمة على جهودهم المتضافرة، ونسأل الله أن يُلبس المرضى ثوب الصحة والعافية، ويرحم الموتى، ويُعجل بكشف هذا الوباء عن الجميع إنه على كل شيء قدير.