آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

كورونا بين التعايش وخيارات المواجهة

لقد أدركت الجهات المسؤولة في البلاد مبكرا حجم وخطورة المشكلة فبادرت بوضع خططا جادة ومدروسة للمواجهة وللسيطرة على خطر تفشي هذا الوباء، والخروج من المعركة «الكورونية» وهي أم المعارك بأقل الخسائر لحين إيجاد علاج ولقاح لهذا المرض.

ولا شك أن تلك الجهات لديها تصورا شاملا لجميع الاحتمالات بما فيها لاقدر الله الفشل في السيطرة على تفشي الوباء.

لم ترتأي الجهات المختصة في البلاد خيارات هاجسها إقتصادي بحت كأوروبا وأمريكا خاصة ونحن بلد حبانا الله وشرفنا باستضافة الملايين من البشر في مواسم دينية متكررة كالحج والعمرة ومجتمعنا يزخر بعادات وتقاليد اجتماعية مفعمة بالحميمية وبالتواصل الاجتماعي وتكاد مستمرة طوال العام.

ذلك الهاجس الذي قدس المال وأهمل الإنسان جعل أوروبا وأمريكا تأن حتى بدت لنا سوأتها وكأنها من دول العالم الثالث، فمشاهد الموت والسطو على محلات المواد الغذائية وسقم وتداعي وانحلال ذلك الصرح الصحي العظيم بدت كمشاهد خيالية من أفلام «هوليوود».

لم يخطر على بالنا يوما أن نسمع دول تسطو وعلى طريقة «الكاو بوي»

على ناقلات أو باخرات محملة بالكمامات وأدوات التعقيم وأجهزة التنفس الصناعي وتعلن ذلك على الملأ يا الهي! من كان يتوقع ذلك؟... ياله من سقوط اخلاقي مريع.!

لقد أخفقوا في المحافظة على البشر ويعيشون أزمة أخلاقية وترهلا وأخفاقا اقتصاديا لا مثيل له وسنرى مستقبلا تبعات هذه الكارثة ومدى انعكاساتها على أوروبا والعالم.

حقيقة كتبت هذا المقال للحديث عن خيارات المواجهة فساقني مقال للدكتور توفيق السيف والذي تبنى فيه على مايبدو التعايش كخيار من خيارات المواجهة قادني ذلك لأضع خيار التعايش من ضمن الخيارات الممكنة. هذا الخيار وإن كان ممكنا عقلا ومنطقا إلا أنه يصعب تطبيقه على أرض الواقع فهو حقيقة يخرجنا من دائرة المواجهة والمحاصرة «للفايرس» ويدخلنا في خطر دائرة التفشي وفقدان السيطرة والتي ولله الحمد لم نصل إليها حتى الآن بفضل اتباع نهج حكيم وهو مواجهة الوباء عبر تدابير لمس الجميع جديتها ونجاعتها بجعل سلامة المواطن والمقيم أولوية لمحاصرة المرض.

أعود لكلمة التعايش من جديد فهي كلمة جميلة رنانة لطالما تغنى بها بعض الكتاب في مقالتهم وعزف عليها رواد التغيير الاجتماعي وغيرهم فأصبحت كالايقونة المقدسة... وماكنت أتصور يوما ما أن تتلوث تلك المفردة الجميلة برياح كورونا السوداء...، فمفردة كتلك تحمل بين ثنايا معانيها من قيم القبول والمحبة والألفة الكثير ربما لا يتناسب مع قبح هذه الجائحة ووجها الأسود الكالح في السواد وهنا ألقي لومي على الإعلام الذي صور هذا «الفايروس» إعلاميا باللون الأخضر وهو سفاح قاتل متنقل حول العالم.

لاشك أن دعوة الدكتور تتضمن منطقا اقتصاديا وحرصا على الوطن والمواطن أراد من خلالها التنبيه لتبعات الوضع الحالي ومخاطرها على عجلة الاقتصاد.

ولم يقصد كما أعتقد سياسة ما يسمى «مناعة القطيع» إذ ثبت فشلها بل أن من دعى لمثل هذا الخيار هو نفسه يرقد حاليا في العناية الفائقة ولولا حسن حظه ومكانته الاجتماعية كمسؤول رفيع في الدولة لما وجد له مكانا شاغرا يتعالج فيه.

خلاصة دعوة الدكتور تتمثل كما أرى في عبارة «لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم» إن صح فهمي للمقال بمعنى أن تسير العجلة الاقتصادية ويتعايش الناس تحت تدابير احترازية معينة مع واقع خطر التفشي السريع.

لا أدري قد أكون مخطئا ولكن ليس دائما تبدو الخيارات التوافقية موفقة فلا بد من دفع ثمن ولا طاقة لنا بتحمل مثل ذلك الثمن!...

فهل لدينا قدرات استيعابية لآلاف المرضى ونحن نرى عجز الدول الكبرى والمتقدمة في ذلك؟!

نعم هناك تضحيات وخسائر مالية ضخمة وقيود نتحملها لفترة زمنية محددة لكن «سيناريو» فقد السيطرة وتفشي الوباء خسائره أكبر على الصعيدين الإنساني والاقتصادي.

ربما حينما نصل لمرحلة الأمان وتتم السيطرة على مخاطر انتشار الوباء تصح مايمكن أن نسميه تجاوزا «التعايش المشروط» بمعنى يمارس الناس حياتهم وفق ضوابط وتدابير احترازية معينة.

مما لاشك فيه أن الجهات المختصة ستبادر حينها باستحداث إجراءات وتدابير تعيد حركة القطاعات الاقتصادية للعمل وفق قواعد تحمي الناس وتحاصر الوباء أما في المرحلة الآنية فاعتقد أن ذلك خطئا كارثيا لا يغتفر.

أرى أن تكون تلك التدابير في مرحلة السيطرة الكاملة «مرحلة الأمان» وتكون منصبة على ركيزة مهمة وهي نقطة التباعد الاجتماعي فتكرسها بتدابير احترازية في الاسواق ومحلات بيع المواد الغذائية وحيث ما وجدت التجمعات البشرية...

بحيث يكون هناك مسافة الزامية بين الافراد في التجمعات وتكون هناك غرامات على من يقترب لشخص آخر لمسافة أقل من مترين.

يجب أن تستغل كاميرات المحلات في متابعة نقطة التباعد بين الأفراد وتكون التوجيهات الصوتية مباشرة ومستمرة لتحذير المتسوقين من مخالفة النظام.

أرى أن أنموذج مدينة «ووهان» الصينية ليس مستحيلا وهو ماثل أمامنا وهاهي بعد ما يقارب 76 يوما تنهض من جديد من تحت ركام «كورونا» اللعين باعثة فينا روح الأمل والاصرار على الانتصار.

ختاما نحن جميعا يدا بيد مع ماتقرره الجهات المختصة لنأخذ بلدنا نحو بر الأمان.