كل عام وقلبك بخير
في مثل هذا التوقيت بالضبط من كل عام تبدأ قلوبنا تتخذ أقصى حالات الفرح وتقفز لأعلى مستويات الأمل والعافية..
نغسل الطرقات بالفرح ونلون الأجواء بحالة السعادة ونزين عيوننا ببريق مختلف، نترقب من خلاله خطوات القادمين لبيوتنا، ونصغي لطرقات الأطفال وخفقات قلوبهم المتهافتة على الأبواب، تزينها أثوابهم المبهرجة وتزفها الأهازيج التي يرددونها بنشوة ونحن نطالع البهجة المتنامية فيهم ونشدو معهم بكل حب ونصلي ليكون هذا العالم بخير.
بعضنا يفلح في التطهر وبعضنا يحاول بشرف ليصل والمحاولة تكفيه سعادة، وآخر يكتفي من الصورة ببهجة الإيقاع فهي بركته ونصيبه بهذا التوقيت، فما الذي حصل قبل عدة أشهر!؟
توقف الكون كله عن الحركة الطبيعية وتعطلت طقوس الحياة تمامًا وطرد الناس منها وكأنهم معاقبين، وبدا كل منا غريبًا في قوقعته يتأمل ما يجري حوله بدهشة مكتفيًا فقط بالإصغاء لصوت أفكاره، يقتات ما لديه من تركة ثقافية وحياة سابقة أو تفاهة كان يعيشها لحظة بلحظة، دون أن يشعر بقيمة الوقت والحياة، كيف كانت تسير معه سابقًا، وكأن ما يحصل أتى ليعلمه أن عليه أن يحصي النِعم التي كان يعيشها.
وفي لحظة دهشة مستفزة نسكب في أفكارنا بعض التساؤلات لنبحث عن نوع من الطمأنينة المفقودة بهذا العالم، ترى هل صارت أحوالنا هشة ومائلة لهذا الحد لدرجة أنها تحتاج لمن يسندها بصفعة كونية كهذه.. أو ماذا يمكن أن يكون قد حصل فعلًا في هذا الكون ليتوقف عن التفاعل معنا هكذا وفجأة!!
وأيًّا كانت الأسباب فنحن نعود بهجمات مرتدة لنقرأ كل هذا الحزن المنتهي بالعجز والألم.
لا أعرف بالضبط على أي مرتفع تسكن قمة الأمل، غير أني مدركة أنه يسكن في قلوبنا رغم عجزنا أحيانًا عن الارتقاء إليها، قد لا نلمسها بأيدينا المبللة بدموع الذين دسنا علي مشاعرهم وأرزاقهم ودمائهم ذات غرور، ووطئنا خصوصياتهم وتمادينا في التنكيل بهم وبآدميتهم ذات ترصد، دون أن نحسب حساب لوقت نحتاج فيه لبعض الصفاء لنعيد ترتيب الفضائل في ذاكرتنا لعلنا نحظى ببعضها طمعا في السلام. وبغض النظر عن التفسيرات والاستسلام لبعض الأفكار ومنطقتها بأي كيفية ننتهجها، فنحن بالأخير مكبلين جدًا كلما اشتد الوباء علينا، وفرصنا قليلة في تجاوز الحزن لمكان أكثر أمانًا من مجرد توفير سلة الغذاء ومستلزماتها.
وقد لا يمر بخواطرنا أننا كثيرا ما شاكسنا الحياة وحفرنا الكثير من الألم في داخل أشخاص لم يقدموا لنا سوى الجميل، وأننا تمادينا معهم وأشبعناهم وجعًا دون سبب حقيقي، قد لا يمر في ذاكرتنا أنهم كانوا طيبين جدًا معنا حد الثقة وهي أمانة ملزمون بها تجاههم، وأنهم كانوا أكثر مرحًا قبل معرفتهم بنا، وأكثر عافية قبل مرورنا بعالمهم. وأننا مضينا عنهم بعد أن صببنا في داخلهم وعودًا زائفة ثم خذلناهم وتحولنا عنهم بعد أن أشبعناهم ركلًا وقهرًا وملأناهم جروحًا غائرة أكملنا سدها بالملح الحارق فاهتزت لجوانبها أركان قلوبهم، أدمتهم دون رحمة ومضينا في طلب الحياة بضمير ميت وقلب غائب نرجو العافية، وأين سنرتجيها بظلمهم؟؟!!.
بعض الحمامات البيضاء تحلق في اضطراب تتفقد الوجوه وتقفز مع خفقات القلوب المرتجفة تنتظر كالمنتظرين، أن هذا الكون سيسير باتجاه العافية التي بات يفتقدها. المشاهد الحاصلة كثيرة والمواقف مختلفة والقلوب تتوجس لحظة فرج ممزوج بالفرح..
أيها الفرح لا تظل طريقك إلينا، ولا تأخذنا بذنوب الذين لا ضمير لديهم ولا عافية في قلوبهم، فلا نريد أن يفقد القلب الحب ولا تصفر صحائف الأمل من قلوبنا فلا نعود نبصره، أو تغيب الشمس عنا خلف السحب فتتعطل أرواحنا عن النمو، وتجمد الحياة في داخلنا وتفرقع الريح بزوابعها في أرجاء حياتنا ونحن نوقن أن في هذا التوقيت يسكن أمل ينبض بالخير وتحتضنه عافية تنتظر أن نعانقها بحب.