كورونا... ندوة طويلة الأجل
الأهم أن هذا الوباء الشرس بعد أن غطّى العالم عرفه الناس جميعاً وأقروا بشراسته وسعوا للوقاية منه أو العلاج السريع دون تهاون كما طرق دور كثيرة في قصور أفكارهم، خلاف بقية الأخطار والأمراض التي تفتك بالبشر ليل نهار دون حراك وقاية.
يتحدث الإعلام المرئي والمقروء والمسموع عن الوضع الصحّي المحلي والإقليمي والعالمي لتفشي وباء كورونا المتجدّد ويتابعه بتركيزعلى الأقل مئات الملايين في الوقت الذي عمّ أثره على كلّ سكان المعمورة من الطلبة والموظفين والمتقاعدين وكبار السنّ والأطفال الذين يتضرّعون وينتظرون الفرج والسيطرة الصحيّة الشاملة والمتكاملة بين المدن والمناطق والدول والقارات. وباء كورونا المتجدّد بنشاطه الحالي شلّ الناس وجميع الأنشطة وأصبحت الوقاية والعناية الصحية كإحتراس وعلاج هما الشغل الشاغل للمسؤولين والكوارد الطبية والباحثين كما شركات الأدوية التي تعمل بجدّ وعزيمة وعلى مدار الساعة في كل الأمصار. ومما لا شكّ فيه أن ظهور الوباء لا يزال لغز وإنتشاره السريع لغز ونأمل أن ينجح المعنيّون في حل لغز مواجهته ومعالجته حتى لا يعود بعد فترة، لا سمح الله، بقوة وعنفوان وشراسة.
عند تداول موضوع وباء كورونا لا يمكن أن يتداخل أي موضوع آخر كما هو المعتاد في الندوات والجلسات بدخول مواضيع جانبيّة قد تحتّل حيّزاً صارماً في النقاش، ولكن السيطرة العالمية للوباء وتفشّيه شملت التفكير حتى التشبّع والسيطرة التامّة. والحقيقة أن متعة النقاشات والندوات بشكل عام في الخروج عن النص عبر مداخلات المشاركين القادمين من ثقافات متنوّعة وإلاّ من غير تعب يمكن للفرد إفتراض عدة نقاط سيتطرّق إليها المتحدّث أو المحاضر خصوصاً اذا ما كان أثره متاحاً في الساحة. غالبيّة موظفو الإدارات والشركات حضروا دورات إدارية مختلفة المسمّيات والمستويات لكن واقعاً موضوعات هذه الدورات متشابهة في العناوين وما يميّزها إلاّ الخبرة التراكميّة للمحاضر والمشاركين، لذا الطالب له موقف والكهل له موقف آخر وغيرهما كل له موقف ورواية مختلفة.
إن إنتشار هذا الوباء العالمي بمثابة زلزال متوالي متنقّل وتسونامي متكرر عبث في العباد والبلاد قضى على إرثه وألزمه بالتغيير والتجديد في كل أعماله وسبل توفير إحتياجاته بل عجّل ببعض التطبيقات المتقدّمة وأسرع في الحاجة الى نوعية من الوظائف المستقبلية التي حانت قبل موعدها. ولعل مصطلح طويل الأجل يعود إلى إمكانية تواجده على طاولة الجدّ والهزل والإحتفاظ به مدة طويلة من الزمن حيث نتائجه لا تغيب وسيكون عنواناً دسماً للكتّاب والمحللين لسنوات وعقود. في سالف الدهر بعض الأزمات التي عصفت بالبشريّة مرّت إندثرت ولم يشارك في تركيب مصفوفاتها وصياغة قصصها كل الأطياف والشرائح والأعمار من أطفال الروضة إلى عجزة المجمّعات وأصحاب الهمم.
إن الدروس التي نتلقّاها كل يوم وكل ساعة من كافّة المسؤولين والكوادر الطبيّة ما هي إلاّ رسائل روحية تأمّلية لجميع الناس عن مدى الحاجة الضرورية إلى الإهتمام بأجسادهم وتغيير طبائع وأعراف عتيقة سادت ولابد أن تزاح وتبيد عن قناعة حتى تبقى أولوية الصحة بكل ركائزها في المقدّمة. ونلاحظ أن خطوات الوقاية الإستباقية مثل التباعد الإجتماعي والحجر الصحي خلقت ارتباكاً عنيفاً عند الناس وفي كل محلات التموين وغيرها وهذا نتج عنه فوضى الهلع والقلق لإنعدام الثقة والنقص في تجربة التسوّق الإلكتروني الذي لا يمكن الإستغناء عنه حاضراً ومستقبلاً. كما لابد أن نشيد بتجربة التعلّم عن بعد وما سينتج عنه بإذن الله من محصول تعليمي أفضل. نعلم أن التقييم السليم يتم بعد فترة كافية من الإستمرارية مع ذلك علينا أن نشيد بالخطوات الإجتماعية التي نهضت لها الجمعيات الخيرية بدعم المجموعة الأكثر تضرّراً وهي خطوة كبيرة ذات مسؤولية ممتدّة ومتشعّبة ليست وقتيّة مما يلزم تفاعل مستمر من المجتمع.
ويبقى السؤال يتكرر، لماذا يذهب الأفراد أينما وجد إزدحام ويتناقلون فيما بينهم أن الحركة إعتيادية والناس تملؤ الشوارع والمحلات؟ ألم يدركوا بعد أن درهم وقاية خير من قنطار علاج!!