الحداثة وتقنية العصر
أصبح مصطلح «الحداثة»، المتداول بين الأطفال أكثر من الهرِمين أمثالي، يعني حداثة «الممارسة»، وذلك من خلال الأدوار المنوطة بالتعامل اليومي مع الأشياء الصغيرة في حياتنا. إنها تلك الممارسات التي تُدخلنا في صراع يومي بين هذه الحداثة والبقاء على ذاكرة الماضي الذي نمارسه بتقمص من الأدوار التي تلعب دور الضحية في شواهد شوارعنا.
لعل العابثين على حبر الوقت أصبحوا يمسحون بقاياهم على ذاكرة البحر، ويعيشون حالة من الصراع بين الجفاف والتأمل، كما لو أن بحّاراً أجفلت شباكه عن الظفر بسمكة، لتعلق تلك المفردات الرابحة بين جسور البحر وسياج الوقت. هكذا يعتقد بعضهم حينما يتلعثم بتلك الشاشات والحروف «المتأرنتة»، بأنه قبض على الحداثة من «تلابيبها».
وفي هذه الإطلالة السريعة لا نرى تلك الحداثة سوى صراع بين الماضي والحاضر، صراع البقاء، للوصول للفضاء، أو الكتابة عن فضاء لا نعرف الوصول له. وهذا قدر حداثي يصاحب كثيراً من الشعراء الذين رفضوا الخروج من شرنقة «الفراهيدي»، وحينما يحاولون الخروج من تلك الأوزان يجدون أنفسهم في بساتين «بودلير»، التي لا يعرفون «أزهارها الشريرة»، فيعودون راكضين إلى شاشاتهم المتدلية على رقائق السياج، بينما يهرول العابر في بحورٍ قامت الحياة «بوزنها»، وتلاطمت الأمواج في «تقعيدها».
تلك حالة من الصراع التي تتجسد أحياناً في نقل حضارة الآخرين دونما الدخول في أعماقها، لتصبح ممارستنا لها مجرد حالة من العبث. ولا يخلو ذلك من بناء مسرح قد يكلف بلايين من الدولارات في ظل غياب المسرح من الوعي التربوي.
حداثتنا يجب أن تكون مربوطة بين المفاهيم والممارسة، وأن لا تكون مجرد حالة استهلاكية لحضارة الآخرين وتقمص «عدساتهم» الملونة، دون أن تكون أعيننا مبصرة.